الذِّئْبِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْبَحُ نُبَاحَ الْكِلَابِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَتَطَوَّسُ كَفِعْلِ الطَّاوُوسِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَشْرَهَ شَرَهَ الْخِنْزِيرِ.
وَفِي رِوَايَةٍ مِنْهُمْ مَنْ يُشْبِهُ الْخِنْزِيرَ إِذَا أُلْقِيَ إِلَيْهِ الطَّعَامُ الطَّيِّبُ تَرَكَهُ وَإِذَا قَامَ الرَّجُلُ مِنْ رَجِيعِهِ وَلَغَ فِيهِ. وَكَذَلِكَ تَجِدُ مِنَ الْآدَمِيِّينَ مَنْ لَوْ سَمِعَ خَمْسِينَ حِكْمَةً لَمْ يَحْفَظْ مِنْهَا وَاحِدَةً. فَإِنْ أَخْطَأَتْ وَاحِدَةٌ حَفِظَهَا ولم يجلس مجلسا إلا رَوَاهَا عَنْكَ مَا فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ أَيْ مَا تَرَكْنَا وَمَا أَغْفَلْنَا وَالْكِتَابُ اللَّوْحُ الْمَحْفُوظُ. وَالْمَعْنَى وَمَا أَغْفَلْنَا فِيهِ مِنْ شَيْءٍ لَمْ نَكْتُبْهُ وَلَمْ نُثْبِتْ مَا وَجَبَ أَنْ يُثْبَتَ، قَالَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ وَلَمْ يَذْكُرْ غَيْرَهُ، أَوِ الْقُرْآنُ وَهُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ سِيَاقُ الْآيَةِ وَالْمَعْنَى وَبَدَأَ بِهِ عَنِ ابْنِ عَطِيَّةَ وَذَكَرَ اللَّوْحَ الْمَحْفُوظَ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ قَوْلُهُ: مِنْ شَيْءٍ عَلَى عُمُومِهِ، وَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ يَكُونُ مِنَ الْعَامِّ الَّذِي يُرَادُ بِهِ الْخَاصُّ فَالْمَعْنَى مِنْ شَيْءٍ عَلَى عُمُومِهِ، وَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ يَكُونُ مِنَ الْعَامِّ الَّذِي يُرَادُ بِهِ الْخَاصُّ فَالْمَعْنَى مِنْ شَيْءٍ يَدْعُو إِلَى مَعْرِفَةِ اللَّهِ وَتَكَالِيفِهِ، وَكَثِيرًا مَا يَسْتَدِلُّ بَعْضُ الظَّاهِرِيَّةِ بِقَوْلِهِ:
مَا فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ يُشِيرُ إِلَى أَنَّ الْكِتَابَ تَضَمَّنَ الْأَحْكَامَ التَّكْلِيفِيَّةَ كُلَّهَا، وَالتَّفْرِيطُ التَّقْصِيرُ فَحَقُّهُ أَنْ يتعدى بفي كَقَوْلِهِ عَلى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ «١» وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَيَكُونُ قَدْ ضَمِنَ مَا أَغْفَلْنَا وَمَا تَرَكْنَا وَيَكُونُ مِنْ شَيْءٍ فِي مَوْضِعِ الْمَفْعُولِ بِهِ ومِنْ زَائِدَةٌ، وَالْمَعْنَى: مَا تَرَكْنَا وَمَا أَغْفَلْنَا فِي الْكِتَابِ شَيْئًا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنْ دَلَائِلِ الْإِلَهِيَّةِ وَالتَّكَالِيفِ، وَيَبْعُدُ جَعْلُ مِنْ هُنَا تَبْعِيضِيَّةً وَأَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ بَعْضَ شَيْءٍ يَحْتَاجُ إِلَيْهِ الْمُكَلَّفُ، وَإِنْ قَالَهُ بَعْضُهُمْ. وَجَعَلَ أَبُو الْبَقَاءِ هُنَا مِنْ شَيْءٍ وَاقِعًا مَوْقِعَ الْمَصْدَرِ، أَيْ تَفْرِيطًا. قَالَ: وَعَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ لَا يَبْقَى فِي الْآيَةِ حُجَّةٌ لِمَنْ ظَنَّ أَنَّ الْكِتَابَ يَحْتَوِي عَلَى ذِكْرِ كُلِّ شَيْءٍ تَصْرِيحًا وَنَظِيرُ ذَلِكَ لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا أَيْ ضَرَرًا انْتَهَى. وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّهُ لَا يَبْقَى عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ حُجَّةٌ لِمَنْ ذَكَرَ لَيْسَ كَمَا ذَكَرَ لِأَنَّهُ إِذَا تَسَلَّطَ النَّفْيُ عَلَى الْمَصْدَرِ كَانَ الْمَصْدَرُ مَنْفِيًّا عَلَى جِهَةِ الْعُمُومِ، وَيَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ هَذَا الْعُمُومِ نَفْيُ أَنْوَاعِ الْمَصْدَرِ وَنَوْعِ مُشَخَّصَاتِهِ، وَنَظِيرُ ذَلِكَ لَا قِيَامَ فَهَذَا نَفْيٌ عَامٌّ فَيَنْتَفِي مِنْهُ جميع أنواع القيام ومشخصاته كَقِيَامِ زَيْدٍ وَقِيَامِ عَمْرٍو وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَإِذَا نُفِيَ التَّفْرِيطُ عَلَى طَرِيقَةِ الْعُمُومِ كَانَ ذَلِكَ نَفْيًا لِجَمِيعِ أَنْوَاعِ التَّفْرِيطِ وَمُشَخَّصَاتِهِ وَمُتَعَلِّقَاتِهِ، فَيَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْكِتَابَ يَحْتَوِي عَلَى ذِكْرِ كُلِّ شَيْءٍ. وَقَرَأَ الْأَعْرَجُ وَعَلْقَمَةُ مَا فَرَّطْنا بتخفيف الرَّاءِ وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ. وَقَالَ النَّقَّاشُ: مَعْنَى فَرَّطْنا مُخَفَّفَةً، أَخَّرْنَا كَمَا قَالُوا: فَرَطَ اللَّهُ عَنْكَ الْمَرَضَ أَيْ أزاله.
(١) سورة الزمر: ٣٩/ ٥٦.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute