للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَقَائِلُنَّ أَحْضَرُوا الشُّهُودَا وَذَهَبَ ابْنُ كَيْسَانَ إِلَى أَنَّ الْجُمْلَةَ الِاسْتِفْهَامِيَّةَ فِي أَرَأَيْتَ زَيْدًا مَا صَنَعَ بَدَلٌ مِنْ أَرَأَيْتَ، وَزَعَمَ أَبُو الْحَسَنِ أَنَّ أَرَأَيْتَكَ إِذَا كَانَتْ بِمَعْنَى أَخْبِرْنِي فلابد بَعْدَهَا مِنَ الِاسْمِ الْمُسْتَخْبَرِ عَنْهُ وَتَلْزَمُ الْجُمْلَةُ الَّتِي بَعْدَهُ الِاسْتِفْهَامَ، لِأَنَّ أَخْبِرْنِي مُوَافِقٌ لِمَعْنَى الِاسْتِفْهَامِ وَزَعَمَ أَيْضًا أَنَّهَا تَخْرُجُ عَنْ بَابِهَا بِالْكُلِّيَّةِ وَتُضَمَّنُ مَعْنَى أَمَا أَوْ تَنَبَّهْ وَجَعَلَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلَهُ تعالى: قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ «١» وَقَدْ أَمْعَنَّا الْكَلَامَ عَلَى أَرَأَيْتَ وَمَسَائِلُهَا فِي كِتَابِنَا الْمُسَمَّى بِالتَّذْيِيلِ فِي شَرْحِ التَّسْهِيلِ وَجَمَعْنَا فِيهِ مَا لَا يُوجَدُ مَجْمُوعًا فِي كِتَابٍ فَيُوقَفُ عَلَيْهِ فِيهِ، وَنَحْنُ نَتَكَلَّمُ عَلَى كُلِّ مَكَانٍ تَقَعُ فِيهِ أَرَأَيْتَ فِي الْقُرْآنِ بِخُصُوصِيَّتِهِ. فَنَقُولُ الَّذِي نَخْتَارُهُ أَنَّهَا بَاقِيَةٌ عَلَى حُكْمِهَا مِنَ التَّعَدِّي إِلَى اثْنَيْنِ فَالْأَوَّلُ مَنْصُوبٌ وَالَّذِي لَمْ نَجِدْهُ بِالِاسْتِقْرَاءِ إِلَّا جُمْلَةً اسْتِفْهَامِيَّةً أَوْ قَسَمِيَّةً، فَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَنَقُولُ: الْمَفْعُولُ الْأَوَّلُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مَحْذُوفٌ وَالْمَسْأَلَةُ مِنْ بَابِ التَّنَازُعِ تَنَازَعَ أَرَأَيْتَكُمْ وَالشَّرْطُ عَلَى عَذَابِ اللَّهِ فَأُعْمِلَ الثَّانِي وَهُوَ أَتاكُمْ فَارْتَفَعَ عَذَابُ بِهِ، وَلَوْ أُعْمِلَ الْأَوَّلُ لَكَانَ التَّرْكِيبُ عَذَابَ بِالنَّصْبِ وَنَظِيرُهُ اضْرِبْ إِنْ جَاءَكَ زَيْدٌ عَلَى إِعْمَالِ جَاءَكَ، وَلَوْ نُصِبَ لَجَازَ وَكَانَ مِنْ إِعْمَالِ الْأَوَّلِ وَأَمَّا الْمَفْعُولُ الثَّانِي فَهِيَ الْجُمْلَةُ الِاسْتِفْهَامِيَّةُ مِنْ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ وَالرَّابِطُ لِهَذِهِ الْجُمْلَةِ بِالْمَفْعُولِ الْأَوَّلِ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ لِكَشْفِهِ وَالْمَعْنَى: قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ عَذَابَ اللَّهِ إِنْ أَتَاكُمْ أَوِ السَّاعَةَ إِنْ أَتَتْكُمْ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ لِكَشْفِهِ أَوْ كشف نوازلها، وَزَعَمَ أَبُو الْحَسَنِ أَنَّ أَرَأَيْتَكُمْ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِمَعْنَى أَمَّا.

قَالَ وَتَكُونُ أَبَدًا بَعْدَ الشَّرْطِ وَظُرُوفِ الزَّمَانِ وَالتَّقْدِيرُ أَمَّا إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ وَالِاسْتِفْهَامُ جَوَابُ أَرَأَيْتَ لَا جَوَابَ الشَّرْطِ وَهَذَا إِخْرَاجٌ لِأَرَأَيْتَ عَنْ مَدْلُولِهَا بِالْكُلِّيَّةِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا تَخْرِيجَهَا عَلَى مَا اسْتَقَرَّ فِيهَا فَلَا نَحْتَاجُ إِلَى هَذَا التَّأْوِيلِ الْبَعِيدِ، وَعَلَى مَا زَعَمَ أَبُو الْحَسَنِ لَا يَكُونُ لِأَرَأَيْتَ مَفْعُولَانِ وَلَا مَفْعُولٌ وَاحِدٌ، وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّ مَفْعُولَ أَرَأَيْتَكُمْ مَحْذُوفٌ دَلَّ عَلَيْهِ الْكَلَامُ تَقْدِيرُهُ أَرَأَيْتَكُمْ عِبَادَتَكُمُ الْأَصْنَامَ هَلْ تَنْفَعُكُمْ عِنْدَ مَجِيءِ السَّاعَةِ؟ وَدَلَّ عَلَيْهِ قوله: أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ. وَقَالَ آخَرُونَ لَا تَحْتَاجُ هُنَا إِلَى جَوَابِ مَفْعُولٍ لِأَنَّ الشَّرْطَ وَجَوَابَهُ قَدْ حَصَّلَا مَعْنَى الْمَفْعُولِ وَهَذَانِ الْقَوْلَانِ ضَعِيفَانِ، وَأَمَّا جَوَابُ الشَّرْطِ فَذَهَبَ الْحَوْفِيُّ إِلَى أَنَّ جَوَابَهُ أَرَأَيْتَكُمْ قُدِّمَ لِدُخُولِ أَلِفِ الِاسْتِفْهَامِ عَلَيْهِ وَهَذَا لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا، وإنما يجوز


(١) سورة الكهف: ١٨/ ٦٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>