وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ خَبَّابٍ فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَقُومَ قَامَ وَتَرَكَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ «١» الْآيَةَ. فَكَانَ يَقْعُدُ مَعَنَا فَإِذَا بَلَغَ الْوَقْتَ الَّذِي يَقُومُ فِيهِ قُمْنَا وَتَرَكْنَاهُ حَتَّى يَقُومَ.
وَرَوَى الْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ نَاسًا مِنَ الْأَشْرَافِ قَالُوا: نُؤْمِنُ بِكَ وَإِذَا صَلَّيْنَا خَلْفَكَ فَأَخِّرْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ مَعَكَ فَيُصَلُّوا خَلْفَنَا فَيَكُونُ الطَّرْدُ تَأَخُّرَهُمْ مِنَ الصَّفِّ لَا طَرْدَهُمْ مِنَ الْمَجْلِسِ.
وَرُوِيَتْ هَذِهِ الْأَسْبَابُ بِزِيَادَةٍ وَنَقْصٍ وَمَضْمُونُهَا أَنَّ نَاسًا مِنْ أَشْرَافِ الْعَرَبِ سَأَلُوا مِنَ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَرْدَ فُقَرَاءِ الْمُؤْمِنِينَ عَنْهُ فَنَزَلَتْ
، وَلَمَّا أَمَرَ تَعَالَى بِإِنْذَارِ غَيْرِ الْمُتَّقِينَ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَرْدَفَ ذَلِكَ بِتَقْرِيبِ الْمُتَّقِينَ وَإِكْرَامِهِمْ وَنَهَاهُ عَنْ طَرْدِهِمْ وَوَصَفَهُمْ بِمُوَافَقَةِ ظَاهِرِهِمْ لِبَاطِنِهِمْ مِنْ دُعَاءِ رَبِّهِمْ وَخُلُوصِ نِيَّاتِهِمْ، وَالظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى:
يَدْعُونَ رَبَّهُمْ يَسْأَلُونَهُ وَيَلْجَأُونَ إِلَيْهِ وَيَقْصِدُونَهُ بِالدُّعَاءِ وَالرَّغْبَةِ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ كِنَايَةٌ عَنِ الزَّمَانِ الدَّائِمِ وَلَا يُرَادُ بِهِمَا خُصُوصُ زَمَانِهِمَا كَمَا تَقُولُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا تُرِيدُ فِي كُلِّ حَالٍ فَكَنَّى بِالْغَدَاةِ عَنِ النَّهَارِ وَبِالْعَشِيِّ عَنِ اللَّيْلِ، أَوْ خَصَّهُمَا بِالذِّكْرِ لِأَنَّ الشُّغْلَ فِيهِمَا غَالِبٌ عَلَى النَّاسِ وَمَنْ كَانَ فِي هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ يَغْلِبُ عَلَيْهِ ذِكْرُ اللَّهِ وَدُعَاؤُهُ كَانَ فِي وَقْتِ الْفَرَاغِ أَغْلَبَ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالدُّعَاءِ الصَّلَاةُ الْمَكْتُوبَةُ. فَقَالَ الْحَسَنُ وَمُقَاتِلٌ: هِيَ الصَّلَاةُ بِمَكَّةَ الَّتِي كَانَتْ مَرَّتَيْنِ فِي الْيَوْمِ بُكْرَةً وَعَشِيًّا. وَقَالَ قَتَادَةُ وَمُجَاهِدٌ: فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ هِيَ صَلَاةُ الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ. وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ ومجاهد فِي رِوَايَةٍ وَإِبْرَاهِيمُ: هِيَ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ. وَقَالَ بَعْضُ الْقُصَّاصِ: إِنَّهُ الِاجْتِمَاعُ إِلَيْهِمْ غَدْوَةً وَعَشِيًّا فَأَنْكَرَ ذَلِكَ ابْنُ الْمُسَيَّبِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي عَمْرَةَ وَغَيْرُهُمَا، وقالوا: إلا الْآيَةُ فِي الصَّلَوَاتِ فِي الْجَمَاعَةِ.
وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: هِيَ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ وَتَعَلُّمُهُ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: الْعِبَادَةُ. وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ فِي رِوَايَةٍ:
ذِكْرُ اللَّهِ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: دُعَاءُ اللَّهِ تَعَالَى بِالتَّوْحِيدِ وَالْإِخْلَاصِ وَعِبَادَتُهُ.
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ بِالْغَداةِ. وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَمَالِكُ بْنُ دِينَارٍ وَالْحَسَنُ وَنَصْرُ بْنُ عَاصِمٍ وَأَبُو رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيُّ بِالْغُدْوَةِ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَيْضًا بِالْغُدُوِّ بِغَيْرِ هَاءٍ. وَقَرَأَ ابْنُ أَبِي عَبْلَةَ: بِالْغُدْوَاتِ وَالْعَشِيَّاتِ بِالْأَلِفِ فِيهِمَا عَلَى الْجَمْعِ، وَالْمَشْهُورُ فِي غُدْوَةَ أَنَّهَا مُعَرَّفَةٌ بِالْعَلَمِيَّةِ مَمْنُوعَةُ الصَّرْفِ. قَالَ الْفَرَّاءُ: سَمِعْتُ أَبَا الْجَرَّاحِ يَقُولُ: مَا رَأَيْتُ كَغَدْوَةَ قَطُّ يُرِيدُ غَدَاةَ يَوْمِهِ، قَالَ: أَلَا تَرَى أَنَّ الْعَرَبَ لَا تُضِيفُهَا فَكَذَا لَا تَدْخُلُهَا الْأَلِفُ وَاللَّامُ إِنَّمَا يَقُولُونَ: جِئْتُكَ غَدَاةَ الْخَمِيسِ انْتَهَى. وَحَكَى سِيبَوَيْهِ وَالْخَلِيلُ أَنَّ بَعْضَهُمْ يُنَكِّرُهَا فَيَقُولُ: رَأَيْتُهُ غَدْوَةً بِالتَّنْوِينِ وَعَلَى هَذِهِ اللُّغَةِ قَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَمَنْ ذُكِرَ مَعَهُ وَتَكُونُ إِذْ ذاك كفينة.
(١) سورة الكهف: ١٨/ ٢٨.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute