للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أُولَئِكَ الَّذِينَ نَهَى عَنْ طَرْدِهِمْ وَلَوْ كَانُوا إِيَّاهُمْ لَكَانَ التَّرْكِيبُ الْأَحْسَنُ، وَإِذَا جاؤوك وَالْآيَاتُ هُنَا آيَاتُ الْقُرْآنِ وَعَلَامَاتُ النُّبُوَّةِ. وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الرَّازِيُّ: آيَاتُ اللَّهِ آيَاتُ وُجُودِهِ وَآيَاتُ صِفَاتِ جَلَالِهِ وَإِكْرَامِهِ وَكِبْرِيَائِهِ وَوَحْدَانِيَّتِهِ وَمَا سِوَى اللَّهِ لَا نِهَايَةَ لَهُ، وَلَا سَبِيلَ لِلْعُقُولِ إِلَى الْوُقُوفِ عَلَيْهِ عَلَى التَّفْصِيلِ التَّامِّ إِلَّا أَنَّ الْمُمْكِنَ هُوَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَى بَعْضِ الْآيَاتِ ثُمَّ يُؤْمِنَ بِالْبَقِيَّةِ عَلَى سَبِيلِ الْإِجْمَالِ ثُمَّ يَكُونُ مُدَّةَ حَيَّاتِهِ كَالسَّابِحِ فِي تِلْكَ الْبِحَارِ وَكَالسَّائِحِ فِي تِلْكَ الْقِفَارِ، وَلَمَّا كَانَ لَا نِهَايَةَ لَهَا فَكَذَلِكَ، لَا نِهَايَةَ فِي تَرَقِّي الْعَبْدِ فِي مَعَارِجِ تِلْكَ الْآيَاتِ وَهَذَا مَشْرَعٌ جُمْلِيٌّ لَا نِهَايَةَ لِتَفَاصِيلِهِ، ثُمَّ إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا كَانَ مَوْصُوفًا بِهَذِهِ الصِّفَاتِ فَعِنْدَهَا أَمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنْ يَقُولَ لَهُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ فَيَكُونُ هَذَا التَّسْلِيمُ بِشَارَةً بِحُصُولِ الْكَرَامَةِ عَقِيبَ تِلْكَ السَّلَامَةِ وَالنَّجَاةِ مِنْ بَحْرِ عَالَمِ الظُّلُمَاتِ وَمَرْكَزِ الْجُسْمَانِيَّاتِ وَمَعْدِنِ الْآفَاتِ وَالْمَخَافَاتِ وَمَوْضِعِ التَّغْيِيرَاتِ وَالتَّبْدِيلَاتِ، وَأَمَّا الْكَرَامَةُ بِالْوُصُولِ إِلَى الْبَاقِيَاتِ الصَّالِحَاتِ الْمُجَرَّدَاتِ الْمُقَدَّسَاتِ وَالْوُصُولِ إِلَى فُسْحَةِ عَالَمِ الْأَنْوَارِ وَالتَّرَقِّي إِلَى مَعَارِجِ سُرَادِقَاتِ الْجَلَالِ انْتَهَى كَلَامُهُ وَهُوَ تَكْثِيرٌ لَا طَائِلَ تَحْتَهُ طَافِحٌ بِإِشَارَاتِ أَهْلِ الْفَلْسَفَةِ بَعِيدٌ مِنْ مَنَاهِجِ الْمُتَشَرِّعِينَ وَعَنْ مَنَاحِي كَلَامِ الْعَرَبِ وَمَنْ غَلَبَ عَلَيْهِ شَيْءٌ حَتَّى فِي غَيْرِ مَظَانِّهِ وَلِلَّهِ دَرُّ الْقَائِلِ يُغْرِي مَنْصُورَ الْمُوَحِّدِينَ بِأَهْلِ الْفَلْسَفَةِ مِنْ قَصِيدَةٍ:

وَحَرِّقْ كُتْبَهُمْ شَرْقًا وَغَرْبًا ... فَفِيهَا كَامِنٌ شَرُّ الْعُلُومِ

يَدُبُّ إِلَى الْعَقَائِدِ مِنْ أَذَاهَا ... سُمُومٌ وَالْعَقَائِدُ كَالْجُسُومِ

وَقَالَ الْمُبَرِّدُ: السَّلَامُ فِي اللُّغَةِ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَجَمْعُهُ سَلَامَةٌ وَمَصْدَرٌ وَاسْمُ شَجَرٍ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: مَصْدَرٌ لِسَلَّمَ تَسْلِيمًا وَسَلَامًا كَالسَّرَاحِ مِنْ سَرَّحَ وَالْأَدَاءِ مِنْ أَدَّى. وَقَالَ عِكْرِمَةُ وَالْحَسَنُ: أُمِرَ بِابْتِدَاءِ السَّلَامِ عَلَيْهِمْ تَشْرِيفًا لَهُمْ. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: أُمِرَ بِإِبْلَاغِ السَّلَامِ عَلَيْهِمْ مِنَ اللَّهِ، وَقِيلَ: مَعْنَى السَّلَامِ هُنَا الدُّعَاءُ مِنَ الْآفَاتِ. وَقَالَ أَبُو الْهَيْثَمِ: السَّلَامُ وَالتَّحِيَّةُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَمَعْنَى السَّلَامِ عَلَيْكُمْ حَيَّاكُمُ اللَّهُ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: إِمَّا أَنْ يَكُونَ أُمِرَ بِتَبْلِيغِ سَلَامِ اللَّهِ إِلَيْهِمْ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ أُمِرَ بِأَنْ يَبْدَأَهُمْ بِالسَّلَامِ إِكْرَامًا لَهُمْ وَتَطْيِيبًا لِقُلُوبِهِمْ انْتَهَى. وَتَرْدِيدُهُ إِمَّا وَإِمَّا الْأَوَّلُ قَوْلُ ابْنِ زَيْدٍ، وَالثَّانِي قَوْلُ عِكْرِمَةَ. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: لَفْظُهُ لَفْظُ الْخَبَرِ وَهُوَ فِي مَعْنَى الدُّعَاءِ وَهَذَا مِنَ الْمَوَاضِعِ الَّتِي جَازَ فِيهَا الِابْتِدَاءُ بِالنَّكِرَةِ إِذْ قَدْ تَخَصَّصَتْ انْتَهَى. وَالتَّخْصِيصُ الَّذِي يَعْنِيهِ النُّحَاةُ فِي النَّكِرَةِ الَّتِي يُبْتَدَأُ بِهَا هُوَ أَنْ يتخصص بِالْوَصْفِ أَوِ الْعَمَلِ أَوِ الإضافة، وسلام لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ التَّخْصِيصَاتِ وَقَدْ رَامَ بَعْضُ النَّحْوِيِّينَ أَنْ يَجْعَلَ جَوَازَ الِابْتِدَاءِ بِالنَّكِرَةِ رَاجِعًا إِلَى التَّخْصِيصِ وَالتَّعْمِيمِ وَالَّذِي

<<  <  ج: ص:  >  >>