مُطْلَقًا قَبْلَ السُّقُوطِ وَمَعَهُ وَبَعْدَهُ. قَالَ الزَّجَّاجُ: يَعْلَمُها سَاقِطَةً وَثَابِتَةً كَمَا تَقُولُ: مَا يَجِيئُكَ أَحَدٌ إِلَّا وَأَنَا أَعْرِفُهُ لَيْسَ تَأْوِيلُهُ فِي حَالِ مَجِيئِهِ فَقَطْ. وَقِيلَ: يَعْلَمُ مَتَى تَسْقُطُ وَأَيْنَ تَسْقُطُ وَكَمْ تَدُورُ فِي الْهَوَاءِ. وَقِيلَ: يَعْلَمُهَا كَيْفَ انْقَلَبَتْ ظَهْرًا لِبَطْنٍ إِلَى أَنْ وَقَعَتْ عَلَى الأرض، ويَعْلَمُها فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنَ وَرَقَةٍ وَهِيَ حَالٌ مِنَ النَّكِرَةِ. كَمَا تَقُولُ: مَا جَاءَ أَحَدٌ إِلَّا رَاكِبًا.
وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ قِيلَ: تَحْتَ الْأَرْضِ السَّابِعَةِ. وَقِيلَ: تَحْتَ التُّرَابِ.
وَقِيلَ: الْحَبُّ الَّذِي يُزْرَعُ يُخْفِيهَا الزُّرَّاعُ تَحْتَ الْأَرْضِ. وَقِيلَ: تَحْتَ الصَّخْرَةِ فِي أَسْفَلِ الْأَرَضِينَ. وَقِيلَ: وَلَا حَبَّةٍ إِلَّا يَعْلَمُ مَتَى تَنْبُتُ وَمَنْ يَأْكُلُهَا، وَانْظُرْ إِلَى حُسْنِ تَرْتِيبِ هَذِهِ الْمَعْلُومَاتِ بَدَأَ أَوَّلًا بِأَمْرٍ مَعْقُولٍ لَا نُدْرِكُهُ نَحْنُ بِالْحِسِّ وَهُوَ قَوْلُهُ: وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ ثُمَّ ثَانِيًا بِأَمْرٍ نُدْرِكُ كَثِيرًا مِنْهُ بالحس وهو يَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَفِيهِ عُمُومٌ ثُمَّ ثَالِثًا بجزأين لَطِيفَيْنِ أَحَدُهُمَا عُلْوِيٌّ وَهُوَ سُقُوطُ وَرَقَةٍ مِنْ عُلُوٍّ إِلَى أَسْفَلَ، وَالثَّانِي سُفْلِيٌّ وَهُوَ اخْتِفَاءُ حَبَّةٍ فِي بَطْنِ الْأَرْضِ. وَدَلَّتْ هَذِهِ الْجُمَلُ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى عَالِمٌ بِالْكُلِّيَّاتِ وَالْجُزْئِيَّاتِ وَفِيهَا رَدٌّ عَلَى الْفَلَاسِفَةِ فِي زَعْمِهِمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ الْجُزْئِيَّاتِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَزْعُمُ أَنَّهُ تَعَالَى لَا يَعْلَمُ الْكُلِّيَّاتِ وَلَا الْجُزْئِيَّاتِ حَتَّى هُوَ لَا يَعْلَمُ ذَاتَهُ تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ.
وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ الرَّطْبُ وَالْيَابِسُ وَصْفَانِ مَعْرُوفَانِ وَالْمُرَادُ الْعُمُومُ فِي الْمُتَّصِفِ بِهِمَا، وَقَدْ مَثَّلَ الْمُفَسِّرُونَ ذَلِكَ بِمَثَلٍ. فَقِيلَ: مَا يَنْبُتُ وَمَا لَا يَنْبُتُ.
وَقِيلَ: لِسَانُ الْمُؤْمِنِ وَلِسَانُ الْكَافِرِ. وَقِيلَ: الْعَيْنُ الْبَاكِيَةُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَالْعَيْنُ الْجَامِدَةُ لِلْقَسْوَةِ، وَأَمَّا مَا
حَكَاهُ النَّقَّاشُ عَنْ جَعْفَرٍ الصَّادِقِ أَنَّ الْوَرَقَةَ هِيَ السَّقْطُ مِنْ أَوْلَادِ بَنِي آدَمَ وَالْحَبَّةَ يُرَادُ بِهَا الَّذِي لَيْسَ بِسَقْطٍ، وَالرَّطْبَ الْمُرَادُ بِهِ الْحَيُّ وَالْيَابِسَ يُرَادُ بِهِ الْمَيِّتُ
فَلَا يَصِحُّ عَنْ جَعْفَرٍ وَهُوَ مِنْ تَفْسِيرِ الْبَاطِنِيَّةِ لَعَنَهُمُ اللَّهُ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ فِي كِتابٍ مُبِينٍ: هُوَ اللَّوْحُ الْمَحْفُوظُ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: كِنَايَةٌ عَنْ عِلْمِ اللَّهِ الْمُتَيَقَّنِ وَهَذَا الِاسْتِثْنَاءُ جَارٍ مَجْرَى التَّوْكِيدِ لِأَنَّ قَوْلَهُ: وَلَا حَبَّةٍ وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ مِنْ وَرَقَةٍ وَالِاسْتِثْنَاءُ الْأَوَّلُ مُنْسَحِبٌ عَلَيْهَا كَمَا تَقُولُ: مَا جَاءَنِي مِنْ رَجُلٍ إِلَّا أَكْرَمْتُهُ وَلَا امْرَأَةٍ، فَالْمَعْنَى إِلَّا أَكْرَمْتُهَا وَلَكِنَّهُ لَمَّا طَالَ الْكَلَامُ أُعِيدَ الِاسْتِثْنَاءُ عَلَى سَبِيلِ التَّوْكِيدِ وَحَسَّنَهُ كَوْنُهُ فَاصِلَةَ رَأْسِ آيَةٍ. وَقَرَأَ الْحَسَنُ وَابْنُ أَبِي إِسْحَاقَ وَابْنُ السميفع وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ بِالرَّفْعِ فِيهِمَا وَالْأَوْلَى أَنْ يَكُونَا مَعْطُوفَيْنِ عَلَى مَوْضِعِ مِنْ وَرَقَةٍ وَيُحْتَمَلُ الرَّفْعُ عَلَى الِابْتِدَاءِ وَخَبَرُهُ إِلَّا فِي كِتابٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute