للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَظُلْمَةُ الْغَيْمِ وَظُلْمَةُ الرِّيحِ، وَفِي الْبَحْرِ أَيْضًا ظُلْمَةُ الْأَمْوَاجِ وَيَكُونُ ذَلِكَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ التَّقْدِيرُ مَهَالِكُ ظُلْمَةِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَخَاوِفُهَا وَأَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ عَلَى أَنَّ الظُّلُمَاتِ مَجَازٌ عَنْ شَدَائِدِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَخَاوِفِهِمَا وَأَهْوَالِهِمَا، وَالْعَرَبُ تَقُولُ: يَوْمٌ أَسْوَدُ وَيَوْمٌ مُظْلِمٌ وَيَوْمٌ ذُو كَوَاكِبَ كَأَنَّهُ لِإِظْلَامِهِ وَغَيْبُوبَةِ شَمْسِهِ بَدَتْ فِيهِ الْكَوَاكِبُ وَيَعْنُونَ بِهِ أَنَّ ذَلِكَ الْيَوْمَ شَدِيدٌ عَلَيْهِمْ. قَالَ قَتَادَةُ وَالزَّجَّاجُ: مِنْ كُرَبِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ. وَحَكَى الطَّبَرِيُّ: ضَلَالَ الطَّرِيقِ فِي الظُّلُمَاتِ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ مَا يُشْفُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْخَسْفِ فِي الْبَرِّ وَالْغَرَقِ فِي الْبَحْرِ بِذُنُوبِهِمْ فَإِذَا دَعَوْا وَتَضَرَّعُوا كَشَفَ اللَّهُ عَنْهُمُ الْخَسْفَ وَالْغَرَقَ فَنَجَوْا مِنْ ظُلُمَاتِهَا انْتَهَى.

تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً أَيْ تُنَادُونَهُ مُظْهِرِي الْحَاجَةِ إِلَيْهِ وَمُخْفِيهَا وَالتَّضَرُّعُ وَصْفٌ بَادٍ عَلَى الْإِنْسَانِ وَالْخُفْيَةُ الْإِخْفَاءُ. وقال الحسن: تضرعا وعلانية خُفْيَةً أَيْ نِيَّةً وَانْتَصَبَا على المصدر، وتَدْعُونَهُ حَالٌ وَيُقَالُ: خُفْيَةً بِضَمِّ الْخَاءِ وَهِيَ قِرَاءَةُ الْجُمْهُورِ وَبِكَسْرِهَا وَهِيَ قِرَاءَةُ أَبِي بَكْرٍ. وقرأ الأعمش وَخُفْيَةً مِنَ الْخَوْفِ. وَقَرَأَ الْكُوفِيُّونَ مَنْ يُنَجِّيكُمْ قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ بِالتَّشْدِيدِ فِيهِمَا، وَحُمَيْدُ بْنُ قَيْسٍ وَيَعْقُوبُ وَعَلِيُّ بْنُ نَصْرٍ عَنْ أَبِي عَمْرٍو بِالتَّخْفِيفِ فِيهِمَا وَالْحَرَمِيَّانِ وَالْعَرَبِيَّانِ بِالتَّشْدِيدِ فِي مَنْ يُنَجِّيكُمْ وَالتَّخْفِيفِ فِي قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ جَمَعُوا بَيْنَ التَّعْدِيَةِ بِالْهَمْزَةِ وَالتَّضْعِيفِ، كَقَوْلِهِ: فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ «١» .

لَئِنْ أَنْجانا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ هَذِهِ إِشَارَةٌ إِلَى الظُّلُمَاتِ وَالْمَعْنَى قَائِلِينَ لئن أنجانا لَمَّا دَعَوْهُ، أَقْسَمُوا أَنَّهُمْ يَشْكُرُونَهُ عَلَى كَشْفِ هَذِهِ الشَّدَائِدِ وَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا قَبْلَ الْوُقُوعِ فِي هَذِهِ الشَّدَائِدِ شَاكِرِينَ لِأَنْعُمِهِ. وَقَرَأَ الْكُوفِيُّونَ لَئِنْ أَنْجانا عَلَى الْغَائِبِ وَأَمَالَهُ الْأَخَوَانِ. وَقَرَأَ بَاقِي السَّبْعَةِ عَلَى الْخِطَابِ.

قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْها وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ الضَّمِيرَ فِي مِنْها عَائِدٌ عَلَى مَا أُشِيرَ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ مِنْ هذِهِ ومن كُلِّ مَعْطُوفٌ عَلَى الضَّمِيرِ الْمَجْرُورِ أُعِيدَ مَعَهُ الْخَافِضُ وَأَمَرَهُ تَعَالَى بِالْمُسَابَقَةِ إِلَى الجواب ليكون هُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْبَقَ إِلَى الْخَيْرِ وَإِلَى الِاعْتِرَافِ بِالْحَقِّ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ تَعَالَى يُنَجِّي مِنْ هَذِهِ الشَّدَائِدِ الَّتِي حَضَرَتْهُمْ وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ فَعَمَّ بَعْدَ التَّخْصِيصِ ثُمَّ ذَكَرَ قَبِيحَ مَا يَأْتُونَ بَعْدَ ذَلِكَ وَبَعْدَ إِقْرَارِهِمْ بِالدُّعَاءِ وَالتَّضَرُّعِ وَوَعْدِهِمْ إِيَّاهُ بِالشُّكْرِ مِنْ إِشْرَاكِهِمْ مَعَهُ فِي الْعِبَادَةِ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَعَطَفَ بِ ثُمَّ لِلْمُهْلَةِ التي تبين قبح


(١) سورة الطارق: ٨٦/ ١٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>