للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ: تَثْبُتُ فِيكُمُ الْأَهْوَاءُ الْمُخْتَلِفَةُ فَتَصِيرُونَ فِرَقًا. وَقِيلَ: الْمَعْنَى يَقْوَى عَدُوُّكُمْ حَتَّى يُخَالِطُوكُمْ. وَقَرَأَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَدَنِيُّ يَلْبِسَكُمْ بِضَمِّ الْيَاءِ مِنَ اللُّبْسِ اسْتِعَارَةً مِنَ اللِّبَاسِ فَعَلَى فَتْحِ الْيَاءِ يَكُونُ شِيَعاً حَالًا. وَقِيلَ: مَصْدَرٌ وَالْعَامِلُ فِيهِ يَلْبِسَكُمْ مِنْ غَيْرِ لَفْظِهِ انْتَهَى. وَيُحْتَاجُ فِي كَوْنِهِ مَصْدَرًا إِلَى نَقْلٍ مِنَ اللُّغَةِ وَعَلَى ضَمِّ الْيَاءِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ أَوْ يُلْبِسَكُمُ الْفِتْنَةَ شِيَعًا وَيَكُونُ شِيَعاً حَالًا، وَحُذِفَ الْمَفْعُولُ الثَّانِي وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمَفْعُولُ الثَّانِي شِيَعًا كَأَنَّ الناس يلبسهم بَعْضُهُمْ بَعْضًا كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:

لَبِسْتُ أُنَاسًا فَأَفْنَيْتُهُمْ ... وَغَادَرْتُ بَعْدَ أُنَاسٍ أُنَاسًا

وَهِيَ عِبَارَةٌ عَنِ الْخُلْطَةِ وَالْمُعَايَشَةِ.

وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ الْبَأْسُ الشِّدَّةُ مِنْ قتل وغيره والإذاقة والإنالة والإصابة هي مَنْ أَقْوَى حَوَاسِّ الِاخْتِبَارِ وَكَثُرَ اسْتِعْمَالِهَا فِي كَلَامِ الْعَرَبِ وَفِي الْقُرْآنِ قَالَ تَعَالَى:

ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ «١» . وَقَالَ الشَّاعِرُ:

أَذَقْنَاهُمْ كُؤُوسَ الْمَوْتِ صِرْفًا ... وَذَاقُوا مِنْ أَسِنَّتِنَا كُؤُوسًا

وَقَرَأَ الْأَعْمَشُ: وَنُذِيقَ بِالنُّونِ وَهِيَ نُونُ عَظَمَةِ الْوَاحِدِ وَهِيَ الْتِفَاتٌ فأيدته نِسْبَةِ ذَلِكَ إِلَى اللَّهِ عَلَى سَبِيلِ الْعَظَمَةِ وَالْقُدْرَةِ الْقَاهِرَةِ.

انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ هَذَا اسْتِرْجَاعٌ لَهُمْ وَلَفْظَةُ تَعَجُّبٍ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم والمعنى إنا نسألك فِي مَجِيءِ الْآيَاتِ أَنْوَاعًا رَجَاءَ أَنْ يَفْقَهُوا وَيَفْهَمُوا عَنِ اللَّهِ تَعَالَى، لِأَنَّ فِي اخْتِلَافِ الْآيَاتِ مَا يقتضي الفهم إن عزبت آية لم تعزب أُخْرَى.

وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قَالَ السُّدِّيُّ: بِهِ عَائِدٌ عَلَى الْقُرْآنِ الَّذِي فِيهِ جَاءَ تَصْرِيفُ الْآيَاتِ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: بِهِ رَاجِعٌ إِلَى الْعَذَابِ وَهُوَ الْحَقُّ أَيْ لَا بُدَّ أَنْ يَنْزِلَ بِهِمْ. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَيُحْتَمَلُ أن يَعُودَ عَلَى الْوَعِيدِ الَّذِي تَضَمَّنَتْهُ الْآيَةُ وَنَحَا إِلَيْهِ الطَّبَرِيُّ.

وَقِيلَ: يَعُودُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذَا لِقُرْبِ مُخَاطَبَتِهِ بَعْدَ ذَلِكَ بِالْكَافِ انْتَهَى. وَقَرَأَ ابْنُ أَبِي عَبْلَةَ: وَكَذَّبَتْ بِهِ قَوْمُكُ بِالتَّاءِ، كَمَا قَالَ: كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ «٢» وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ: وَهُوَ الْحَقُّ جُمْلَةُ اسْتِئْنَافٍ لَا حَالٌ.

قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ أَيْ لَسْتُ بِقَائِمٍ عَلَيْكُمْ لِإِكْرَاهِكُمْ عَلَى التوحيد. وقيل:


(١) سورة القمر: ٥٤/ ٤٨.
(٢) سورة الشعراء: ٢٦/ ١٠٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>