للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إِذَا نَهَى السَّفِيهَ جَرَى إليه ... وخالف والسفيه إلى خِلَافِ

أَيْ جَرَى إِلَى السَّفَهِ. وَقَالَ أَبُو الْبَقَاءِ: إِنَّمَا ذَكَرَ الْهَاءَ لِأَنَّهُ أَعَادَهَا عَلَى مَعْنَى الْآيَاتِ وَلِأَنَّهَا حَدِيثٌ وَقَوْلُ:

وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ أَيْ إِنْ شَغَلَكَ بِوَسْوَسَتِهِ حَتَّى تَنْسَى النَّهْيَ عَنْ مُجَالَسَتِهِمْ فَلَا تَقْعُدْ مَعَهُمْ بَعْدَ الذِّكْرَى أَيْ ذِكْرِكَ النَّهْيَ. قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ وَإِنْ كَانَ الشَّيْطَانُ يُنْسِيكَ قَبْلَ النَّهْيِ قُبْحَ مُجَالَسَةِ الْمُسْتَهْزِئِينَ لِأَنَّهَا مِمَّا تُنْكِرُهُ الْعُقُولُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى أَيْ بَعْدَ أَنْ ذَكَّرْنَاكَ قُبْحَهَا وَنَبَّهْنَاكَ عَلَيْهِ مَعَهُمْ انْتَهَى. وَهُوَ خِلَافُ ظَاهِرِ الشَّرْطِ لِأَنَّهُ قَدْ نُهِيَ عَنِ الْقُعُودِ مَعَهُمْ قَبْلُ ثُمَّ عُطِفَ عَلَى الشَّرْطِ السَّابِقِ هَذَا الشَّرْطُ فَكُلُّهُ مُسْتَقْبَلٌ وَمَا أَحْسَنَ مَجِيءَ الشرط الأول بإذا الَّتِي هِيَ لِلْمُحَقَّقِ لِأَنَّ كَوْنَهُمْ يَخُوضُونَ فِي الْآيَاتِ مُحَقَّقٌ وَمَجِيءُ الشَّرْطِ الثَّانِي بأن لِأَنَّ إِنْ لِغَيْرِ الْمُحَقَّقِ وَجَاءَ مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ تَنْبِيهًا عَلَى عِلَّةِ الْخَوْضِ فِي الْآيَاتِ وَالطَّعْنِ فِيهَا وَأَنَّ سَبَبَ ذَلِكَ ظُلْمُهُمْ وَهُوَ مُجَاوَزَةُ الْحَدِّ وَوَضْعُ الْأَشْيَاءِ غَيْرَ مَوَاضِعَهَا. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَأَمَّا شَرْطٌ وَيَلْزَمُهَا النُّونُ الثَّقِيلَةُ فِي الْأَغْلَبِ وَقَدْ لَا تَلْزَمُ كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:

إِمَّا يُصِبْكَ عَدُوٌّ فِي مُنَاوَأَةٍ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَمْثِلَةِ انْتَهَى. وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِيهَا خِلَافٌ، ذَهَبَ بَعْضُ النَّحْوِيِّينَ إِلَى أَنَّهَا إِذَا زِيدَتْ بَعْدَ إِنْ مَا لَزِمَتْ نُونُ التَّوْكِيدِ وَلَا يَجُوزُ حَذْفُهَا إِلَّا ضَرُورَةً وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّهَا لَا تَلْزَمُ وَأَنَّهُ يَجُوزُ فِي الْكَلَامِ وَتَقْيِيدُهُ الثَّقِيلَةَ لَيْسَ بِجَيِّدٍ بَلِ الصَّوَابُ النُّونُ الْمُؤَكَّدَةُ سَوَاءٌ كَانَتْ ثَقِيلَةً أَمْ خَفِيفَةً وَكَأَنَّهُ نَظَرَ إِلَى مَوَارِدِهَا فِي الْقُرْآنِ وَكَوْنِهَا لَمْ تَجِئْ فِيهَا بَعْدَ إِمَّا إِلَّا الثَّقِيلَةُ. وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ يُنْسِيَنَّكَ مُشَدَّدًا عَدَّاهُ بِالتَّضْعِيفِ وَعَدَّاهُ الْجُمْهُورُ بِالْهَمْزَةِ. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَقَدْ ذَكَرَ الْقِرَاءَتَيْنِ إِلَّا أَنَّ التَّشْدِيدَ أَكْثَرُ مُبَالَغَةً انْتَهَى. وَلَيْسَ كَمَا ذَكَرَ لَا فَرْقَ بَيْنَ تَضْعِيفِ التَّعْدِيَةِ وَالْهَمْزَةِ وَمَفْعُولُ يُنْسِيَنَّكَ الثَّانِي مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ نَهْيَنَا إِيَّاكَ عَنِ الْقُعُودِ مَعَهُمْ وَالذِّكْرَى مَصْدَرُ ذَكَرَ جَاءَ عَلَى فُعْلَى وَأَلِفُهُ لِلتَّأْنِيثِ وَلَمْ يَجِئْ مَصْدَرٌ عَلَى فُعْلَى غَيْرُهُ.

وَما عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ الَّذِينَ يَتَّقُونَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَالضَّمِيرُ فِي حِسابِهِمْ عَائِدٌ عَلَى الْمُسْتَهْزِئِينَ الْخَائِضِينَ فِي الْآيَاتِ. وَرُوِيَ أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ قَالُوا: لَمَّا نَزَلَتْ فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ «١» لَا يُمْكِنُنَا طَوَافٌ وَلَا عِبَادَةٌ فِي الحرم فنزلت


(١) سورة النساء: ٤/ ١٤٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>