عَطِيَّةَ: وَيَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَمْتَثِلَ حُكْمَ هَذِهِ الْآيَةِ مَعَ الْمُلْحِدِينَ وَأَهْلِ الْجَدَلِ وَالْخَوْضِ فِيهِ.
وَحَكَى الطَّبَرِيُّ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ أَنَّهُ قَالَ: لَا تُجَالِسُوا أَهْلَ الْخُصُومَاتِ فَإِنَّهُمُ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ تَعَالَى.
وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً هَذَا أَمْرٌ بِتَرْكِهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ لِقِلَّةِ أَتْبَاعِ الْإِسْلَامِ حِينَئِذٍ. قَالَ قَتَادَةُ: ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ وَمَا جَرَى مَجْرَاهُ بِالْقِتَالِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: إِنَّمَا هُوَ أَمْرُ تَهْدِيدٍ وَوَعِيدٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً «١» وَلَا نَسْخَ فِيهَا لِأَنَّهَا مُتَضَمِّنَةٌ خَبَرًا وَهُوَ التَّهْدِيدُ وَدِينُهُمْ مَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ الْبَحَائِرِ وَالسَّوَائِبِ والجوامي وَالْوَصَائِلِ وَعِبَادَةِ الْأَصْنَامِ وَالطَّوَافِ حَوْلَ الْبَيْتِ عُرَاةً يُصَفِّرُونَ وَيُصَفِّقُونَ أَوِ الَّذِي كُلِّفُوهُ وَدُعُوا إِلَيْهِ وَهُوَ دِينُ الْإِسْلَامِ لَعِباً وَلَهْواً حَيْثُ سخروا به واستهزؤوا، أَوْ عِبَادَتَهَمْ لِأَنَّهُمْ كَانُوا مُسْتَغْرِقِينَ فِي اللَّهْوِ وَاللَّعِبِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ وَالْعَزْفِ وَالرَّقْصِ لَمْ تَكُنْ لَهُمْ عِبَادَةٌ إِلَّا ذَلِكَ أَقْوَالٌ ثَلَاثَةٌ. وَانْتَصَبَ لَعِباً وَلَهْواً عَلَى المفعول الثاني لاتخذوا. وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الرَّازِيُّ: الْأَقْرَبُ أَنَّ الْمُحَقِّقَ فِي الدِّينِ هُوَ الَّذِي يَنْصُرُ الدِّينَ لِأَجْلِ أَنَّهُ قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ حَقٌّ وَصِدْقٌ وَصَوَابٌ، وَأَمَّا الَّذِينَ يَنْصُرُونَهُ لِيَتَوَسَّلُوا بِهِ إِلَى أَخْذِ الْمَنَاصِبِ وَالرِّئَاسَةِ وَغَلَبَةِ الْخَصْمِ وَجَمْعِ الْأَمْوَالِ فَهُمْ نَصَرُوا الدِّينَ لِلدُّنْيَا وَقَدْ حَكَمَ اللَّهُ عَلَى الدُّنْيَا فِي سَائِرِ الْآيَاتِ بِأَنَّهَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ، فَالْآيَةُ إِشَارَةٌ إِلَى مَنْ يَتَوَسَّلُ بِدِينِهِ إِلَى دُنْيَاهُ وَأَكْثَرُ الْخَلْقِ مَوْصُوفُونَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ انْتَهَى، وَفِيهِ بَعْضُ تَلْخِيصٍ وَظَاهِرُ تَفْسِيرِهِ يَقْتَضِي أَنَّ اتَّخَذُوا هُنَا مُتَعَدِّيَةٌ إِلَى وَاحِدٍ وَأَنَّ انْتِصَابَ لَعِباً وَلَهْواً عَلَى الْمَفْعُولِ مِنْ أَجْلِهِ فَيَصِيرُ الْمَعْنَى اكْتَسَبُوا دِينَهُمْ وَعَمِلُوهُ وَأَظْهَرُوا اللَّعِبَ وَاللَّهْوَ أَيْ لِلدُّنْيَا وَاكْتِسَابِهَا وَيَظْهَرُ مِنْ بَعْضِ كَلَامِ الزَّمَخْشَرِيِّ وَابْنِ عَطِيَّةَ أَنْ لَعِباً وَلَهْواً هُوَ الْمَفْعُولُ الأول لاتخذوا ودِينَهُمْ هُوَ الْمَفْعُولُ الثَّانِي. قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: أَيْ دِينَهُمُ الَّذِي كَانَ يَجِبُ أَنْ يَأْخُذُوا بِهِ لَعِباً وَلَهْواً وَذَلِكَ أَنَّ عِبَادَتَهُمْ وَمَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ تَحْرِيمِ الْبَحَائِرِ وَالسَّوَائِبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ بَابِ اللَّعِبِ وَاتِّبَاعِ هَوَى النَّفْسِ وَالْعَمَلِ بِالشَّهْوَةِ، وَمِنْ جِنْسِ الْهَزْلِ دُونَ الْجَدِّ وَاتَّخَذُوا مَا هُوَ لَعِبٌ وَلَهْوٌ مِنْ عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ وَغَيْرِهَا دِينًا لَهُمْ وَاتَّخَذُوا دِينَهُمُ الَّذِي كُلِّفُوهُ وَدُعُوا إليه هو دِينُ الْإِسْلَامِ لَعِباً وَلَهْواً حيث سخروا به واستهزؤوا انْتَهَى. فَظَاهِرُ تَقْدِيرِهِ الثَّانِي هُوَ مَا ذَكَرْنَاهُ عَنْهُ. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَأَضَافَ الدِّينَ إِلَيْهِمْ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُمْ جَعَلُوا اللَّهْوَ وَاللَّعِبَ دِينًا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى اتَّخَذُوا دِينَهُمْ الَّذِي كان ينبغي لهم
(١) سورة المدثر: ٧٤/ ١١.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute