أَرَادَ بَقَاءَ أَنْ أَقِيمُوا على معتاها مِنْ مَوْضُوعِ الْأَمْرِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ أَنْ إِذَا دَخَلَتْ عَلَى فِعْلِ الْأَمْرِ وَكَانَتِ الْمَصْدَرِيَّةَ انْسَبَكَ مِنْهَا وَمِنَ الْأَمْرِ مَصْدَرٌ، وَإِذَا انْسَبَكَ مِنْهُمَا مَصْدَرٌ زَالَ مِنْهَا مَعْنَى الْأَمْرِ، وَقَدْ أَجَازَ النَّحْوِيُّونَ سِيبَوَيْهِ وَغَيْرُهُ أَنْ تُوصَلَ أَنْ الْمَصْدَرِيَّةُ النَّاصِبَةُ لِلْمُضَارِعِ بِالْمَاضِي وَبِالْأَمْرِ، قَالَ سِيبَوَيْهِ: وَتَقُولُ: كَتَبْتُ إِلَيْهِ بِأَنْ قُمْ، أَيْ بِالْقِيَامِ فَإِذَا كَانَ الْحُكْمُ كَذَا كَانَ قَوْلُهُ: لِنُسْلِمَ وَأَنْ أَقِيمُوا فِي تَقْدِيرِ لِلْإِسْلَامِ، وَلِإِقَامَةِ الصَّلَاةِ وَأَمَّا تَشْبِيهُ ابْنِ عَطِيَّةَ بِقَوْلِهِ: ادْخُلُوا الْأَوَّلُ فَالْأَوَّلُ بِالرَّفْعِ فَلَيْسَ يُشْبِهُهُ لِأَنَّ ادْخُلُوا لَا يُمْكِنُ لَوْ أُزِيلَ عَنْهُ الضَّمِيرُ أَنْ يَتَسَلَّطَ عَلَى مَا بَعْدَهُ، بِخِلَافِ أَنْ فَإِنَّهَا تُوصَلُ بِالْأَمْرِ فَإِذًا لَا شَبَهَ بَيْنَهُمَا. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ (فَإِنْ قُلْتَ) : على عُطِفَ قَوْلُهُ: وَأَنْ أَقِيمُوا (قُلْتُ) : عَلَى مَوْضِعِ لِنُسْلِمَ كَأَنَّهُ قِيلَ وَأُمِرْنَا أَنْ نُسْلِمَ وَأَنْ أَقِيمُوا انْتَهَى وَظَاهِرُ هَذَا التَّقْدِيرِ أَنَّ نُسْلِمَ فِي مَوْضِعِ الْمَفْعُولِ الثَّانِي لِقَوْلِهِ:
وَأُمِرْنا وَعُطِفَ عَلَيْهِ وَأَنْ أَقِيمُوا فَتَكُونُ اللَّامُ عَلَى هَذَا زَائِدَةً، وَكَانَ قَدْ قَدَّمَ قَبْلَ هَذَا أَنَّ اللَّامَ تَعْلِيلٌ لِلْأَمْرِ فَتَنَاقَضَ كَلَامُهُ لِأَنَّ مَا يَكُونُ عِلَّةً يَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ مَفْعُولًا وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِقَوْلِهِ لِنُسْلِمَ أَنَّهُ فِي مَوْضِعِ الْمَفْعُولِ الثَّانِي قَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ وَأُمِرْنَا لِأَنْ نُسْلِمَ وَلِأَنْ أَقِيمُوا أَيْ لِلْإِسْلَامِ وَلِإِقَامَةِ الصَّلَاةِ انْتَهَى، وَهَذَا قَوْلُ الزَّجَّاجِ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ هَذَا الْقَوْلُ مُغَايِرًا لِقَوْلِهِ الْأَوَّلِ لَاتَّحَدَ قَوْلَاهُ وَذَلِكَ خُلْفٌ، وَقَالَ الزَّجَّاجُ:
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ وَأَنْ أَقِيمُوا مَعْطُوفًا عَلَى ائْتِنا. وَقِيلَ: معطوف على قوله: إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدى وَالتَّقْدِيرُ قُلْ أَنْ أَقِيمُوا وَهَذَانِ الْقَوْلَانِ ضَعِيفَانِ جِدًّا، وَلَا يَقْتَضِيهِمَا نَظْمُ الْكَلَامِ، قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: يَتَّجِهُ أَنْ يَكُونَ بِتَأْوِيلِ وَإِقَامَةِ فَهُوَ عَطْفٌ عَلَى الْمَفْعُولِ الْمُقَدَّرِ فِي أُمِرْنَا انْتَهَى. وَكَانَ قَدْ قَدَّرَ: وَأُمِرْنَا بِالْإِخْلَاصِ أَوْ بِالْإِيمَانِ لِأَنْ نُسْلِمَ وَهَذَا قَوْلٌ لَا بَأْسَ بِهِ وَهُوَ أَقْرَبُ مِنَ الْقَوْلَيْنِ قَبْلَهُ إِذْ لَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرِ الْمَفْعُولِ الثَّانِي لِأُمِرْنَا وَيَجُوزُ حَذْفُ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ لِفَهْمِ الْمَعْنَى تَقُولُ: أَضَرَبْتَ زَيْدًا فَتُجِيبُ نَعَمْ وَعَمْرًا التَّقْدِيرُ ضَرَبْتُهُ وَعَمْرًا وَقَدْ أَجَازَ الْفَرَّاءُ جَاءَنِي الَّذِي وَزَيْدٌ قَائِمَانِ التَّقْدِيرُ جَاءَنِي الَّذِي هُوَ وَزَيْدٌ قَائِمَانِ فَحَذَفَ هُوَ لِدَلَالَةِ الْمَعْنَى عَلَيْهِ والضمير المنصوب في واتقوا عَائِدٌ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ.
وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ جُمْلَةٌ خَبَرِيَّةٌ تَتَضَمَّنُ التَّنْبِيهَ وَالتَّخْوِيفَ لِمَنْ تَرَكَ امْتِثَالِ مَا أُمِرَ بِهِ مِنَ الْإِسْلَامِ وَالصَّلَاةِ وَاتِّقَاءِ اللَّهِ، وَإِنَّمَا تَظْهَرُ ثَمَرَاتُ فِعْلِ هَذِهِ الْأَعْمَالِ وَحَسَرَاتُ تَرْكِهَا يَوْمَ الْحَشْرِ وَالْقِيَامَةِ.
وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ لَمَّا ذَكَرَ تَعَالَى أَنَّهُ إِلَى جَزَائِهِ يَحْشُرُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute