للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَمَّا ذُكِرَ قَوْلُهُ تَعَالَى: قُلْ أَنَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُنا وَلا يَضُرُّنا «١» نَاسِبَ ذِكْرُ هَذِهِ الْآيَةِ هُنَا وَكَانَ التَّذْكَارُ بِقِصَّةِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَعَ أَبِيهِ وَقَوْمِهِ أَنْسَبَ لِرُجُوعِ الْعَرَبِ إِلَيْهِ إِذْ هُوَ جَدُّهُمُ الْأَعْلَى فَذُكِّرُوا بِأَنَّ إِنْكَارَ هَذَا النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْكُمْ عِبَادَةَ الْأَصْنَامِ هُوَ مِثْلُ إِنْكَارِ جَدِّكُمْ إِبْرَاهِيمَ عَلَى أَبِيهِ وَقَوْمِهِ عِبَادَتَهَا وَفِي ذَلِكَ التَّنْبِيهُ عَلَى اقْتِفَاءِ مَنْ سَلَفَ مِنْ صَالِحِي الْآبَاءِ وَالْأَجْدَادِ وَهُمْ وَسَائِرُ الطَّوَائِفِ مُعَظِّمُونَ لِإِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ آزَرَ اسْمُ أَبِيهِ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنُ وَالسُّدِّيُّ وَابْنُ إِسْحَاقَ وَغَيْرُهُمْ، وَفِي كُتُبِ التَّوَارِيخِ أَنَّ اسْمَهُ بِالسُّرْيَانِيَّةِ تَارِخُ وَالْأَقْرَبُ أَنَّ وَزْنَهُ فَاعِلَ مِثْلُ تَارِخَ وَعَابِرَ وَلَازِبَ وَشَالِحَ وَفَالِغَ وَعَلَى هَذَا يَكُونُ لَهُ اسْمَانِ كَيَعْقُوبَ وَإِسْرَائِيلَ وَهُوَ عَطْفُ بَيَانٍ أَوْ بَدَلٌ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: هُوَ اسْمُ صَنَمٍ فَيَكُونُ أُطْلِقُ عَلَى أَبِي إِبْرَاهِيمَ لِمُلَازَمَتِهِ عِبَادَتَهُ كَمَا أُطْلِقَ عَلَى عُبَيْدِ الله بن قيس الرقيات لِحُبِّهِ نِسَاءً اسْمُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ رُقَيَّةُ. فَقِيلَ ابْنُ قَيْسِ الرُّقَيَّاتِ، وَكَمَا قَالَ بَعْضُ الْمُحَدِّثِينَ:

أَدْعَى بِأَسْمَاءَ تَتْرَى فِي قَبَائِلِهَا ... كَأَنَّ أَسْمَاءَ أَضْحَتْ بَعْضَ أَسْمَائِي

وَيَكُونُ إِذْ ذَاكَ عَطْفَ بَيَانٍ أَوْ يَكُونُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ عَابِدِ آزَرَ حُذِفَ الْمُضَافُ وَأُقِيمَ الْمُضَافُ إِلَيْهِ مَقَامَهُ أَوْ يَكُونُ مَنْصُوبًا بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ أَيْ تَتَّخِذُ آزَرَ، وَقِيلَ: إِنَّ آزَرَ عَمُّ إِبْرَاهِيمَ وَلَيْسَ اسْمَ أَبِيهِ وَهُوَ قَوْلُ الشِّيعَةِ يَزْعُمُونَ أَنَّ آبَاءَ الْأَنْبِيَاءِ لَا يَكُونُونَ كُفَّارًا وَظَوَاهِرُ الْقُرْآنِ تَرُدُّ عَلَيْهِمْ وَلَا سِيَّمَا مُحَاوَرَةُ إِبْرَاهِيمَ مَعَ أَبِيهِ. فِي غَيْرِ مَا آيَةٍ، وَقَالَ مُقَاتِلٌ: هُوَ لَقَبٌ لِأَبِي إِبْرَاهِيمَ وَلَيْسَ اسْمًا لَهُ وَامْتَنَعَ آزَرُ مِنَ الصَّرْفِ لِلْعَلَمِيَّةِ وَالْعُجْمَةِ، وَقِيلَ هُوَ صِفَةٌ، قَالَ الْفَرَّاءُ بِمَعْنَى الْمُعْوَجِّ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: بِمَعْنَى الْمُخْطِئِ، وَقَالَ الضَّحَّاكُ: الشَّيْخُ الْهَمُّ بِالْفَارِسِيَّةِ، وَإِذَا كَانَ صِفَةً أَشْكَلَ مَنْعُ صَرْفِهِ وَوَصْفُ الْمَعْرِفَةِ بِهِ وَهُوَ نَكِرَةٌ وَوَجَّهَهُ الزَّجَّاجُ بِأَنْ تُزَادَ فِيهِ الْ وَيُنْصَبُ عَلَى الذَّمِّ كَأَنَّهُ قِيلَ: أَذُمُّ الْمُخْطِئَ، وَقِيلَ: انْتَصَبَ عَلَى الْحَالِ وَهُوَ فِي حَالِ عِوَجٍ أَوْ خَطَأٍ، وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ آزَرَ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَأُبَيٌّ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنُ وَمُجَاهِدٌ وَغَيْرُهُمْ بِضَمِّ الرَّاءِ عَلَى النِّدَاءِ وَكَوْنِهِ عَلَمًا وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ صِفَةً لِحَذْفِ حَرْفِ النِّدَاءِ وَهُوَ لَا يُحْذَفُ مِنَ الصِّفَةِ إِلَّا شُذُوذًا، وَفِي مُصْحَفِ أُبَيٍّ يَا آزَرُ بِحَرْفِ النِّدَاءِ اتَّخَذْتَ أَصْنَامًا بِالْفِعْلِ الْمَاضِي فَيَحْتَمِلُ الْعَلَمِيَّةَ وَالصِّفَةَ، وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَيْضًا أأزرا تَتَّخِذُ بِهَمْزَةِ اسْتِفْهَامٍ وَفَتْحِ الْهَمْزَةِ بَعْدَهَا وَسُكُونِ الزَّايِ وَنَصْبِ الرَّاءِ مُنَوَّنَةً وَحَذْفِ هَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ مِنْ أَتَتَّخِذُ، قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: الْمَعْنَى أَعَضُدًا وَقُوَّةً وَمُظَاهَرَةً عَلَى الله تتخذ وهو قَوْلِهِ: اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي «٢»


(١) سورة الأنعام: ٦/ ٧١.
(٢) سورة طه: ٢٠/ ٣١.

<<  <  ج: ص:  >  >>