للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هُوَ هُدَى اللَّهِ، وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: ذَلِكَ إِشَارَةٌ إِلَى النِّعْمَةِ فِي قَوْلِهِ وَاجْتَبَيْناهُمْ انْتَهَى، وَفِي الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْهُدَى بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى.

وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كانُوا يَعْمَلُونَ أَيْ وَلَوْ أَشْرَكُوا مَعَ فَضْلِهِمْ وَتَقَدُّمِهِمْ وَمَا رُفِعَ لَهُمْ مِنَ الدَّرَجَاتِ لَكَانُوا كَغَيْرِهِمْ فِي حُبُوطِ أَعْمَالِهِمْ كَمَا قَالَ تَعَالَى: لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ «١» وَفِي قَوْلِهِ: وَلَوْ أَشْرَكُوا دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْهُدَى السَّابِقَ هُوَ التَّوْحِيدُ وَنَفْيُ الشِّرْكِ.

أُولئِكَ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ لَمَّا ذَكَرَ أَنَّهُ تَعَالَى فَضَّلَهُمْ وَاجْتَبَاهُمْ وَهَدَاهُمْ ذَكَرَ مَا فُضِّلُوا بِهِ، وَالْكِتَابُ: جِنْسٌ لِلْكُتُبِ الْإِلَهِيَّةِ كَصُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَالتَّوْرَاةِ وَالزَّبُورِ وَالْإِنْجِيلِ، وَالْحُكْمَ: الْحِكْمَةُ أَوِ الْحُكْمُ بَيْنَ الْخُصُومِ أَوْ مَا شَرَعُوهُ أَوْ فَهْمُ الْكِتَابَ أَوِ الْفِقْهُ فِي دِينِ اللَّهِ أَقْوَالٌ، وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الرَّازِيُّ: آتَيْناهُمُ الْكِتابَ هِيَ رُتْبَةُ الْعِلْمِ يَحْكُمُونَ بِهَا عَلَى بَوَاطِنِ الناس وأرواحهم والْحُكْمَ مَرْتَبَةُ نُفُوذِ الْحُكْمِ بِحَسَبِ الظاهر والنُّبُوَّةَ الْمَرْتَبَةُ الثَّالِثَةُ وَهِيَ الَّتِي يَتَفَرَّعُ عَلَى حُصُولِهَا حُصُولُ الْمَرْتَبَتَيْنِ فَالْحُكَّامُ عَلَى الْخَلْقِ ثَلَاثُ طَوَائِفَ. انْتَهَى مُلَخَّصًا.

فَإِنْ يَكْفُرْ بِها هؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنا بِها قَوْماً لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ الظَّاهِرُ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي بِها عَائِدٌ إِلَى النُّبُوَّةِ لِأَنَّهَا أَقْرَبُ مَذْكُورٍ، وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: بِها بِالْكِتَابِ وَالْحُكْمِ وَالنُّبُوَّةِ فَجَعَلَ الضَّمِيرَ عَائِدًا عَلَى الثَّلَاثَةِ وَهُوَ أَيْضًا لَهُ ظُهُورٌ، وَالْإِشَارَةُ بِهَؤُلَاءِ إِلَى كُفَّارِ قُرَيْشٍ وَكُلِّ كَافِرٍ فِي ذَلِكَ الْعَصْرِ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةُ وَالسُّدِّيُّ وَغَيْرُهُمْ، وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: هؤُلاءِ يَعْنِي أَهْلَ مَكَّةَ انْتَهَى وقال السُّدِّيُّ، وَقَالَ الْحَسَنُ: أُمَّةُ الرَّسُولِ وَمَعْنَى وَكَّلْنا أَرْصَدْنَا لِلْإِيمَانِ بِهَا وَالتَّوْكِيلُ هُنَا اسْتِعَارَةٌ لِلتَّوْفِيقِ لِلْإِيمَانِ بِهَا وَالْقِيَامِ بِحُقُوقِهَا كَمَا يُوَكَّلُ الرَّجُلُ بِالشَّيْءِ لِيَقُومَ بِهِ وَيَتَعَهَّدَهُ وَيُحَافِظَ عَلَيْهِ، وَالْقَوْمُ الْمُوَكَّلُونَ بِهَا هُنَا هُمُ الْمَلَائِكَةُ قَالَهُ أَبُو رَجَاءٍ، أَوْ مُؤْمِنُو أَهْلِ الْمَدِينَةِ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةُ وَالضَّحَّاكُ وَالسُّدِّيُّ، وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: قَوْماً هُمُ الْأَنْبِيَاءُ الْمَذْكُورُونَ وَمَنْ تَابَعَهُمْ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ انْتَهَى. وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ وَقَتَادَةَ أَيْضًا قَالَا: الْمُرَادُ بِالْقَوْمِ مَنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُؤْمِنِينَ، وَقِيلَ: الْأَنْبِيَاءُ الثَّمَانِيَةَ عَشَرَ الْمُتَقَدِّمُ ذِكْرُهُمْ وَاخْتَارَهُ الزَّجَّاجُ وَابْنُ جَرِيرٍ لِقَوْلِهِ بَعْدُ أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ. وَقِيلَ: الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ، وَقِيلَ: كُلُّ


(١) سورة الزمر: ٣٩/ ٦٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>