للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قُلِ اللَّهُ أَمَرَهُ بِالْمُبَادَرَةِ إِلَى الْجَوَابِ أَيْ قُلِ اللَّهُ أَنْزَلَهُ فَإِنَّهُمْ لَا يَقْدِرُونَ أَنْ يُنَاكِرُوكَ، لِأَنَّ الْكِتَابَ الْمَوْصُوفَ بِالنُّورِ وَالْهُدَى الْآتِيَ بِهِ مَنْ أُيِّدَ بِالْمُعْجِزَاتِ بَلَغَتْ دَلَالَتُهُ مِنَ الْوُضُوحِ إِلَى حَيْثُ يَجِبُ أَنْ يَعْتَرِفَ بِأَنَّ مُنَزِّلَهُ هُوَ اللَّهُ سَوَاءٌ أَقَرَّ الْخَصْمُ بِهَا أَمْ لَمْ يُقِرَّ، وَنَظِيرُهُ: قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً قُلِ اللَّهُ «١» . قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى فَإِنْ جَهِلُوا أَوْ تَحَيَّرُوا أَوْ سَأَلُوا وَنَحْوَ هَذَا فَقُلِ اللَّهُ انْتَهَى، وَلَا يُحْتَاجُ إِلَى هذا التقدير لِأَنَّ الْكَلَامَ مُسْتَغْنٍ عَنْهُ.

ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ أَيْ فِي بَاطِلِهِمُ الَّذِي يَخُوضُونَ فِيهِ وَيُقَالُ لِمَنْ كَانَ فِي عَمَلٍ لَا يُجْدِي عَلَيْهِ إِنَّمَا أنت لاعب ويَلْعَبُونَ حَالٌ مِنْ مَفْعُولِ ذَرْهُمْ أَوْ مِنْ ضَمِيرِ خَوْضِهِمْ وفِي خَوْضِهِمْ مُتَعَلِّقٌ بِ ذَرْهُمْ أَوْ بِ يَلْعَبُونَ أَوْ حَالٌ مِنْ يَلْعَبُونَ وَظَاهِرُ الْأَمْرِ أَنَّهُ مُوَادَعَةٌ فَيَكُونُ مَنْسُوخًا بِآيَاتِ الْقِتَالِ وَإِنْ جُعِلَ تَهْدِيدًا أَوْ وَعِيدًا خَالِيًا مِنْ مُوَادَعَةٍ فَلَا نَسْخَ.

وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ أَيْ وَهَذَا الْقُرْآنُ لَمَّا ذَكَرَ وَقَرَّرَ أَنَّ إِنْكَارَ مَنْ أَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ أَنْزَلَ عَلَى بَشَرٍ شَيْئًا وَحَاجَّهُمْ بِمَا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى إِنْكَارِهِ أَخْبَرَ أَنَّ هَذَا الْكِتَابَ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الرَّسُولِ مُبَارَكٌ كَثِيرُ النَّفْعِ وَالْفَائِدَةِ، وَلَمَّا كَانَ الْإِنْكَارُ إِنَّمَا وَقَعَ عَلَى الْإِنْزَالِ فَقَالُوا: مَا أَنْزَلَ اللَّهُ، وَقِيلَ: قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ كَانَ تَقْدِيمُ وَصْفِهِ بِالْإِنْزَالِ آكَدَ مِنْ وَصْفِهِ بِكَوْنِهِ مُبَارَكًا وَلِأَنَّ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فَهُوَ مُبَارَكٌ قَطْعًا فَصَارَتِ الصِّفَةُ بِكَوْنِهِ مُبَارَكًا، كَأَنَّهَا صِفَةٌ مُؤَكَّدَةٌ إِذْ تَضَمَّنَهَا مَا قَبْلَهَا، فَأَمَّا قَوْلُهُ: وَهذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ أَنْزَلْناهُ «٢» فَلَمْ يَرِدْ فِي مَعْرِضِ إِنْكَارٍ أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ شَيْئًا بَلْ جَاءَ عَقِبَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى وَهارُونَ الْفُرْقانَ وَضِياءً وَذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ «٣» ذَكَرَ أَنَّ الَّذِي آتَاهُ الرَّسُولَ هُوَ ذِكْرٌ مُبَارَكٌ وَلَمَّا كَانَ الْإِنْزَالُ يَتَجَدَّدُ عِبَّرَ بِالْوَصْفِ الَّذِي هُوَ فِعْلٌ، وَلَمَّا كَانَ وَصْفُهُ بِالْبَرَكَةِ وَصْفًا لَا يُفَارِقُ عَبَّرَ بِالِاسْمِ الدَّالِّ عَلَى الثُّبُوتِ.

مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ أَيْ مِنْ كُتُبِ اللَّهِ الْمُنَزَّلَةِ، وَقِيلَ التَّوْرَاةُ، وَقِيلَ الْبَعْثُ، قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَهَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّ الْقُرْآنَ هُوَ بَيْنَ يدي القيامة.


(١) سورة الأنعام: ٦/ ١٩.
(٢) سورة الأنبياء: ٢١/ ٥٠.
(٣) سورة الأنبياء: ٢١/ ٤٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>