للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَاعِلٍ وَلَمْ يَعْطِفْهُ عَلَى يَخْرُجُ لِأَنَّ قَوْلَهُ: فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى مِنْ جِنْسِ إِخْرَاجِ الْحَيِّ مِنَ الْمَيِّتِ لِأَنَّ النَّامِيَ فِي حُكْمِ الْحَيَوَانِ أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ: يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها «١» فَوَقَعَ قَوْلُهُ: يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ مِنْ قَوْلِهِ: فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى مَوْقِعَ الْجُمْلَةِ الْمُبَيِّنَةِ فَلِذَلِكَ عَطَفَ اسْمَ الْفَاعِلِ لَا عَلَى الْفِعْلِ وَلَمَّا كَانَ هَذَا مَفْقُودًا فِي آلِ عِمْرَانَ وَتَقَدَّمَ قَبْلَ ذَلِكَ جُمْلَتَانِ فِعْلِيَّتَانِ وَهُمَا يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ كَانَ الْعَطْفُ بِالْفِعْلِ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْطُوفًا وَهُوَ اسْمُ فَاعِلٍ عَلَى الْمُضَارِعِ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:

بَاتَ يُغْشِيهَا بِعَضْبٍ بَاتِرٍ ... يُقْصَدُ فِي أَسْوُقِهَا وَجَائِرُ

ذلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ أَيْ ذَلِكُمُ الْمُتَّصِفُ بِالْقُدْرَةِ الْبَاهِرَةِ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَتَوْحِيدِهِ وَالْإِيمَانِ بِالْبَعْثِ إِلَى عِبَادَةِ غَيْرِهِ وَاتِّخَاذَ شَرِيكٍ مَعَهُ وَإِنْكَارِ الْبَعْثِ.

فالِقُ الْإِصْباحِ مَصْدَرٌ سُمِّيَ بِهِ الصُّبْحِ، قَالَ الشَّاعِرِ:

أَلَا أَيُّهَا اللَّيْلُ الطَّوِيلُ أَلَا انْجَلِي ... بِصُبْحٍ وَمَا الْإِصْبَاحُ مِنْكَ بِأَمْثَلِ

(فَإِنْ قُلْتَ) : الظُّلْمَةُ هِيَ الَّتِي تَنْفَلِقُ عَنِ الصُّبْحِ كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:

تَفَرَّى لَيْلُ عَنْ بَيَاضِ نَهَارِ.

فَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ يَكُونَ ذَلِكَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ فَالِقُ ظُلْمَةِ الْإِصْبَاحِ وَهِيَ الْغَبَشُ الَّذِي يَلِي الصُّبْحَ أَوْ يَكُونُ عَلَى ظَاهِرِهِ وَمَعْنَاهُ فالقه عن بياض النهار.

وَقَالُوا: انْصَدَعَ الْفَجْرُ وَانْشَقَّ عَمُودُ الْفَجْرِ، قَالَ الشَّاعِرُ:

فَانْشَقَّ عَنْهَا عَمُودُ الصُّبْحِ جَافِلَةً ... عَدْوَ النَّحُوصِ تَخَافُ الْقَانِصَ اللَّحْيَا

وَسَمَّوُا الْفَجْرَ فَلَقًا بِمَعْنَى مَفْلُوقٍ أَوْ يَكُونُ الْمَعْنَى مُظْهِرُ الْإِصْبَاحِ إِلَّا أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْفَلَقُ مُقْتَضِيًا لِذَلِكَ الْإِظْهَارِ أَطْلَقَ عَلَى الْإِظْهَارِ فَلَقًا وَالْمُرَادُ الْمُسَبَّبُ وَهُوَ الْإِظْهَارُ، وقيل: فالِقُ الْإِصْباحِ خالق، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الْإِصْبَاحُ إِضَاءَةُ الْفَجْرِ، وَرَوَى ابْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ الْإِصْباحِ ضَوْءُ الشَّمْسِ بِالنَّهَارِ وَضَوْءُ الْقَمَرِ بِاللَّيْلِ، وَقَالَ اللَّيْثُ وَالْفَرَّاءُ وَالزَّجَّاجُ: الصُّبْحُ وَالصَّبَاحُ وَالْإِصْبَاحُ أَوَّلُ النهار قال:


(١) سورة الروم: ٣٠/ ٥٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>