للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمِنَّةِ وَالنِّعْمَةِ، إِذْ كَانَتْ أَعْظَمَ أَوْ مِنْ أَعْظَمِ قُوتِ الْعَرَبِ وَأُبْرِزَتْ فِي صُورَةِ الْمُبْتَدَأِ وَالْخَبَرِ لِيَدُلَّ عَلَى الثُّبُوتِ وَالِاسْتِقْرَارِ وَأَنَّ ذَلِكَ مَفْرُوغٌ مِنْهُ، وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَمِنَ النَّخْلِ تَقْدِيرُهُ نُخْرِجُ مِنَ النَّخْلِ وَمِنْ طَلْعِهَا قِنْوانٌ ابْتِدَاءٌ خَبَرُهُ مُقَدَّمُ وَالْجُمْلَةُ فِي مَوْضِعِ الْمَفْعُولِ بتخرج انْتَهَى. وَهَذَا خَطَأٌ لِأَنَّ مَا يَتَعَدَّى إِلَى مَفْعُولٍ وَاحِدٍ لَا تَقَعُ الْجُمْلَةُ فِي مَوْضِعِ مَفْعُولِهِ إِلَّا إِذَا كَانَ الْفِعْلُ مِمَّا يُعَلَّقُ وَكَانَتِ الْجُمْلَةُ فِيهَا مَانِعٌ مِنْ أَنْ يَعْمَلَ فِي شَيْءٍ مِنْ مُفْرَدَاتِهَا الْفِعْلُ مِنَ الْمَوَانِعِ الْمَشْرُوحَةِ في علم النحو ونُخْرِجُ لَيْسَتْ مِمَّا يُعَلِّقُ وَلَيْسَ فِي الْجُمْلَةِ مَا يَمْنَعُ مِنْ عَمَلِ الْفِعْلِ فِي شَيْءٍ مِنْ مُفْرَدَاتِهَا إِذْ لَوْ كَانَ الْفِعْلُ هُنَا مُقَدَّرًا لَتَسَلَّطَ عَلَى مَا بَعْدَهُ وَلَكَانَ التَّرْكِيبُ وَالتَّقْدِيرُ وَنُخْرِجُ مِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِها قِنْوَانًا دَانِيَةً بِالنَّصْبِ، وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْخَبَرُ مَحْذُوفًا لِدَلَالَةِ فَأَخْرَجْنا عَلَيْهِ تَقْدِيرُهُ وَمُخْرَجَةٌ مِنْ طَلْعِ النَّخْلِ قِنْوَانٌ انْتَهَى. وَلَا حَاجَةَ إِلَى هَذَا التَّقْدِيرِ إِذِ الْجُمْلَةُ مُسْتَقِلَّةٌ فِي الْإِخْبَارِ بِدُونِهِ، وَقَالَ أَبُو الْبَقَاءِ: وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قِنْوانٌ مُبْتَدَأً وَالْخَبَرُ مِنْ طَلْعِها وَفِي مِنَ النَّخْلِ ضَمِيرٌ تَقْدِيرُهُ وَيَنْبُتُ مِنَ النَّخْلِ شَيْءٌ أَوْ ثَمَرٌ فَيَكُونُ مِنْ طَلْعِها بَدَلًا مِنْهُ، وَيَجُوزُ أَنْ يَرْتَفِعَ قِنْوانٌ عَلَى أَنَّهُ فَاعِلٌ مِنْ طَلْعِها فَيَكُونُ فِي مِنَ النَّخْلِ ضَمِيرٌ يُفَسِّرُهُ قِنْوانٌ وَإِنْ رَفَعْتَ قِنْوانٌ بِقَوْلِهِ: مِنَ النَّخْلِ عَلَى قَوْلِ مَنْ أَعْمَلَ أَوَّلَ الْفِعْلَيْنِ جَازَ وَكَانَ فِي مِنْ طَلْعِها ضَمِيرٌ مَرْفُوعٌ انْتَهَى، وَهُوَ إِعْرَابٌ فِيهِ تَخْلِيطٌ لَا يَسُوغُ فِي الْقُرْآنِ وَمَنْ قَرَأَ يَخْرُجُ مِنْهُ حُبٌّ مُتَرَاكِبٌ جَازَ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: مِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِها قِنْوانٌ دانِيَةٌ مَعْطُوفًا عَلَيْهِ كَمَا تَقُولُ يَضْرِبُ فِي الدَّارِ زَيْدٌ، وَفِي السُّوقِ عَمْرٌو وَجَازَ أَنْ يَكُونَ مُبْتَدَأً وَخَبَرًا وَهُوَ الْأَوْجَهُ.

وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنابٍ قِرَاءَةُ الْجُمْهُورِ بِكَسْرِ التَّاءِ عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ نَبَاتَ وَهُوَ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ لِشَرَفِهِ وَلَمَّا جُرِّدَ النَّخْلُ جُرِّدَتْ جَنَّاتٍ الْأَعْنَابِ لِشَرَفِهِمَا، كَمَا قَالَ:

أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ «١» وَقَرَأَ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي لَيْلَى وَالْأَعْمَشُ وَأَبُو بَكْرٍ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ عَنْ عَاصِمٍ وَجَنَّاتٌ بِالرَّفْعِ وَأَنْكَرَ أَبُو عُبَيْدٍ وَأَبُو حَاتِمٍ هَذِهِ الْقِرَاءَةَ حَتَّى قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: هِيَ مُحَالُّ لِأَنَّ الْجَنَّاتِ مِنَ الْأَعْنَابِ لَا تَكُونُ مِنَ النَّخْلِ وَلَا يَسُوغُ إِنْكَارُ هَذِهِ الْقِرَاءَةِ وَلَهَا التَّوْجِيهُ الْجَيِّدُ فِي الْعَرَبِيَّةِ وُجِّهَتْ عَلَى أَنَّهُ مُبْتَدَأٌ مَحْذُوفُ الْخَبَرِ فَقَدَّرَهُ النَّحَّاسُ وَلَهُمْ جَنَّاتٌ وَقَدَّرَهُ ابْنُ عَطِيَّةَ، وَلَكُمْ جَنَّاتٌ وَقَدَّرَهُ أَبُو الْبَقَاءِ وَمِنَ الْكَرْمِ جَنَّاتٌ وَقَدَّرَهُ وَمِنَ الْكَرْمِ لِقَوْلِهِ: وَمِنَ النَّخْلِ وَقَدَّرَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ وَثَمَّ جَنَّاتٌ أَيْ مَعَ النَّخْلِ ونظيره قراءة من


(١) سورة البقرة: ٢/ ٢٦٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>