وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِها أَيْ آيَةٌ مِنِ اقْتِرَاحِهِمْ نَحْوَ قَوْلِهِمْ حَتَّى تُنَزِّلَ إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ «١»
أَنْزِلْهَا عَلَيْنَا حَتَّى نُؤْمِنَ بِهَا فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْزِلْهَا عَلَيْهِمْ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ
أَوْ نَحْوَ
قَوْلِهِمْ يَجْعَلُ الصَّفَا ذَهَبًا حَتَّى ذَكَرُوا مُعْجِزَةَ مُوسَى فِي الْحَجَرِ وَعِيسَى فِي إِحْيَاءِ الْمَوْتَى وَصَالِحٍ فِي النَّاقَةِ فَقَامَ الرَّسُولُ يَدْعُو فَجَاءَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَالَ لَهُ: إِنْ شِئْتَ أَصْبَحَ الصَّفَا ذَهَبًا فَإِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا هَلَكُوا عَنْ آخِرِهِمْ مُعَاجَلَةً كَمَا فُعِلَ بِالْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ، إِذْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِالْآيَاتِ الْمُقْتَرَحَةِ وَإِنْ شِئْتَ تَرَكْتَهُمْ حَتَّى يَتُوبَ تَائِبُهُمْ فَقَالَ: بَلْ حَتَّى يَتُوبَ تَائِبُهُمْ
، وَإِنَّمَا اقْتَرَحُوا آيَةً مُعَيَّنَةً لِأَنَّهُمْ شَكُّوا فِي الْقُرْآنِ وَلِهَذَا قَالُوا: دَارَسْتَ أَيِ الْعُلَمَاءَ وَبَاحَثْتَ أَهْلَ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَكَابَرَ أَكْثَرُهُمْ وَعَانَدَ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ حَلَفُوا غَايَةَ حَلِفِهِمْ وَسُمِّيَ الْحَلِفُ قَسَمًا لِأَنَّهُ يَكُونُ عِنْدَ انْقِسَامِ النَّاسِ إِلَى التَّصْدِيقِ وَالتَّكْذِيبِ فَكَأَنَّهُ يُقَوِّي الْقِسْمَ الَّذِي يَخْتَارُهُ، قَالَ التِّبْرِيزِيُّ: الْإِقْسَامُ إِفْعَالٌ مِنَ الْقَسَمِ الَّذِي هُوَ بِمَعْنَى النَّصِيبِ وَالْقِسْمَةِ، وَكَانَ إِقْسَامُهُمْ بِاللَّهِ غَايَةً فِي الْحَلِفِ وَكَانُوا يُقْسِمُونَ بِآبَائِهِمْ وَآلِهَتِهِمْ فَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ عَظِيمًا أَقْسَمُوا بِاللَّهِ تَعَالَى، وَالْجَهْدُ: بِفَتْحِ الْجِيمِ الْمَشَقَّةُ وَبِضَمِّهَا الطَّاقَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُهُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَانْتَصَبَ جَهْدَ على المصدر المنصوب بأقسموا أَيْ أَقْسَمُوا جَهْدَ إِقْسَامَاتِهِمْ وَالْأَيْمَانُ بِمَعْنَى الْإِقْسَامَاتِ كَمَا تَقُولُ: ضَرَبْتُهُ أَشَدَّ الضَّرَبَاتِ، وَقَالَ الْحَوْفِيُّ: مَصْدَرٌ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنَ الضَّمِيرِ فِي أَقْسَمُوا أَيْ مُجْتَهِدِينَ فِي أَيْمَانِهِمْ، وَقَالَ الْمُبَرِّدَ: مَصْدَرٌ مَنْصُوبٌ بِفِعْلٍ مِنْ لَفْظِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى جَهْدَ أَيْمانِهِمْ فِي المائدة، ولئن جَاءَتْهُمْ إِخْبَارٌ عَنْهُمْ لَا حِكَايَةٌ لِقَوْلِهِمْ إِذْ لَوْ حُكِيَ قَوْلُهُمْ لَكَانَ لَئِنْ جاءتنا آية وتعامل الْإِخْبَارَ عَنِ الْقَسَمِ مُعَامَلَةَ حِكَايَةِ الْقَسَمِ بِلَفْظِ مَا نَطَقَ بِهِ الْمُقْسِمُ، وَأَنَّهُ لَا يُرَادُ بِهَا مُطْلَقُ آيَةٍ إِذْ قَدْ جَاءَتْهُمْ آيَاتٌ كَثِيرَةٌ وَلَكِنَّهُمْ أَرَادُوا آيَةً مُقْتَرَحَةً كَمَا ذَكَرْنَاهُ، وَقَرَأَ طَلْحَةُ بْنُ مُصَرِّفٍ لَيُؤْمِنُنَّ بِها مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ وَبِالنُّونِ الْخَفِيفَةِ.
قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللَّهِ هَذَا أَمَرٌ بِالرَّدِّ عَلَيْهِمْ وَأَنَّ مَجِيءَ الْآيَاتِ لَيْسَ لِي إِنَّمَا ذَلِكَ لِلَّهِ تَعَالَى وَهُوَ الْقَادِرُ عَلَيْهَا يُنَزِّلُهَا عَلَى وَجْهِ الْمَصْلَحَةِ كَيْفَ شَاءَ لِحِكْمَتِهِ وَلَيْسَتْ عِنْدِي فَتُقْتَرَحُ عَلَيَّ.
وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ ما اسْتِفْهَامِيَّةٌ وَيَعُودُ عَلَيْهَا ضَمِيرُ الفاعل في
(١) سورة الشعراء: ٢٦/ ٤.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute