للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَحْكُمَ عَلَى اللَّهِ فِي خَلْقِهِ لَا يُنْزِلُهُمْ جَنَّةً وَلَا نَارًا. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: الْإِجْمَاعُ عَلَى التَّخْلِيدِ الْأَبَدِيِّ فِي الْكُفَّارِ وَلَا يَصِحُّ هَذَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ انْتَهَى. وَقَدْ تَعَلَّقَ قَوْمٌ بِظَاهِرِ هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ فَزَعَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُخْرِجُ مِنَ النَّارِ كُلَّ بَرٍّ وَفَاجِرٍ وَمُسْلِمٍ وَكَافِرٍ وَأَنَّ النَّارَ تَخْلُو وَتَخَرَبُ، وَقَدْ ذُكِرَ هَذَا عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ وَلَا يَصِحُّ وَلَا يُعْتَبَرُ خِلَافُ هَؤُلَاءِ وَلَا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ. إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: لَا يَفْعَلُ شَيْئًا إِلَّا بِمُوجِبِ الْحِكْمَةِ عَلَيْهِمْ بِأَنَّ الْكُفَّارَ يَسْتَوْجِبُونَ عَذَابَ الْأَبَدِ انْتَهَى. وَهَذَا عَلَى مَذْهَبِهِ الِاعْتِزَالِيِّ. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: صِفَتَانِ مُنَاسِبَتَانِ بِهَذِهِ الْآيَةِ لِأَنَّ تَخْلِيدَ هَؤُلَاءِ الْكَفَرَةِ فِي النَّارِ صَادَرٌ عَنْ حِكْمَةٍ، وَقَالَ التِّبْرِيزِيُّ: حَكِيمٌ فِي تَدْبِيرِ الْمَبْدَإِ وَالْمَعَادِ عَلِيمٌ بِمَا يَؤُولُ إِلَيْهِ أَمْرُ الْعِبَادِ. وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ الضَّرِيرُ: حَكِيمٌ حَكَمَ عليهم بالخلود عَلِيمٌ بِهِمْ وَبِعُقُوبَتِهِمْ. وَقَالَ الْبَغَوِيُّ: عَلِيمٌ بِالَّذِي اسْتَثْنَاهُ وَبِمَا فِي قُلُوبِهِمْ مِنَ الْبِرِّ وَالتَّقْوَى. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: حَكِيمٌ فِي عُقُوبَتِهِمْ عَلِيمٌ بِمِقْدَارِ مُجَازَاتِهِمْ.

وَكَذلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ لَمَّا ذَكَرَ تَعَالَى أَنَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ بِمَعْنَى أَنَّهُ يَحْفَظُهُمْ وَيَنْصُرُهُمْ عَلَى أَنَّ الْكَافِرِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ فِي الظُّلْمِ وَالْخِزْيِ. قَالَ قَتَادَةُ: يَجْعَلُ بَعْضَهُمْ وَلِيَّ بَعْضٍ فِي الْكُفْرِ وَالظُّلْمِ، يُرِيدُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذِكْرِ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَاسْتِمْتَاعِ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ. وَقَالَ قَتَادَةُ أَيْضًا: يَتْبَعُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فِي دُخُولِ النَّارِ أَيْ يَجْعَلُ بَعْضَهُمْ يَلِي بَعْضًا فِي الدُّخُولِ. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: مَعْنَاهُ نُسَلِّطُ بَعْضَ الظَّالِمِينَ عَلَى بَعْضٍ وَنَجْعَلُهُمْ أَوْلِيَاءَ النِّقْمَةِ مِنْهُمْ، وَهَذَا تَأْوِيلٌ بَعِيدٌ وَحِينَ قَتَلَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ عَمْرَو بْنَ سَعِيدٍ الْأَشْدَقَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ: وَصَعِدَ الْمِنْبَرَ إِنَّ فَمَ الذِّئَابِ قَتَلَ لَطِيمَ الشَّيْطَانِ وَتَلَا وَكَذلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً الْآيَةَ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:

تَفْسِيرُهَا أَنَّ اللَّهَ إِذَا أَرَادَ بِقَوْمٍ شَرًّا وَلَّى عَلَيْهِمْ شِرَارَهُمْ أَوْ خَيْرًا وَلَّى عَلَيْهِمْ خِيَارَهُمْ، وَفِي بَعْضِ الْكُتُبِ الْمُنَزَّلَةِ أَفْنَى أَعْدَائِي بِأَعْدَائِي ثُمَّ أُفْنِيهِمْ بِأَوْلِيَائِي. وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ الضَّرِيرُ: نَتْرُكُ الْمُشْرِكِينَ إِلَى بَعْضِهِمْ فِي النُّصْرَةِ وَالْمَعُونَةِ وَالْحَاجَةِ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: نُخَلِّيهِمْ حَتَّى يَتَوَلَّى بَعْضُهُمْ بَعْضًا كَمَا فَعَلَ الشَّيَاطِينُ وَغُوَاةُ الْإِنْسِ، أَوْ يَجْعَلُ بَعْضَهُمْ أَوْلِيَاءَ بَعْضٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَقُرَنَاءَهُمْ كَمَا كَانُوا فِي الدُّنْيَا بِما كانُوا يَكْسِبُونَ مِنَ الْكُفْرِ وَالْمَعَاصِي انْتَهَى. وَقَوْلُهُ:

نُخَلِّيهِمْ هُوَ عَلَى طَرِيقِهِ الاعتزالي.

مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا

هَذَا النِّدَاءُ أَيْضًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالِاسْتِفْهَامُ لِلتَّوْبِيخِ وَالتَّقْرِيعِ، حَيْثُ أَعْذَرَ اللَّهُ إِلَيْهِمْ بِإِرْسَالِ الرُّسُلِ فَلَمْ يَقْبَلُوا مِنْهُمْ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مِنَ الْجِنِّ رُسُلًا إِلَيْهِمْ كَمَا أَنَّ مِنَ الْإِنْسِ

<<  <  ج: ص:  >  >>