الِانْقِضَاءِ، وَتَقَدَّمَ النَّظَرُ وَهُوَ الْفِكْرُ عَلَى الْأَكْلِ لِهَذَا السَّبَبِ وَهَذَا أَمْرٌ بِإِبَاحَةِ الْأَكْلِ وَيُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْمَنَافِعِ الْإِبَاحَةُ وَالْإِطْلَاقُ وَقَيَّدَهُ بِقَوْلِهِ: إِذا أَثْمَرَ وَإِنْ كَانَ مِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ إِذَا لَمْ يُثْمِرْ فَلَا أَكْلَ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْتَظِرُ بِهِ مَحَلَّ إِدْرَاكِهِ وَاسْتِوَائِهِ، بَلْ مَتَى أَمْكَنَ الْأَكْلُ مِنْهُ فَعَلَ.
وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ وَالَّذِي يَظْهَرُ عَوْدِ الضَّمِيرِ عَلَى مَا عَادَ عَلَيْهِ مِنْ ثَمَرِهِ وَهُوَ جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِمَّا يُمْكِنُ أَنْ يُؤْكَلَ إِذَا أَثْمَرَ. وَقِيلَ: يَعُودُ عَلَى النَّخْلَ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْآيَةِ مَا يَجِبُ أَنْ يُؤْتَى حَقُّهُ عِنْدَ جِذَاذِهِ إِلَّا النَّخْلُ. وَقِيلَ: يَعُودُ عَلَى الزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ لِأَنَّهُمَا أَقْرَبُ مَذْكُورٍ. وَأُفْرِدَ الضَّمِيرُ لِلْوُجُوهِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي قَوْلِهِ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ وَآتُوا أَمْرٌ عَلَى الْوُجُوبِ وَتَقَدَّمَ الْأَمْرُ بِالْأَكْلِ عَلَى الْأَمْرِ بِالصَّدَقَةِ، لِأَنَّ تقدم مَنْفَعَةِ الْإِنْسَانِ بِمَا يَمْلِكُهُ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ مُتَرَجِّحَةٌ عَلَى مَنْفَعَةِ غَيْرِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا «١»
«وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَابْدَأْ بِنَفْسِكَ ثُمَّ بِمَنْ تَعُولُ، إِنَّمَا الصَّدَقَةُ عَنْ ظَهْرِ غِنَى» .
وَالْحَقُّ هُنَا مُجْمَلٌ وَاخْتُلِفَ فِيهِ أَهْوَ الزَّكَاةُ أَمْ غَيْرُهَا؟ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَالْحَسَنُ وَطَاوُسُ وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ وَابْنُ الْمُسَيِّبِ وَقَتَادَةُ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَنَفِيَّةِ وَابْنُ طَاوُسٍ وَالضَّحَّاكُ وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ وَابْنُهُ وَمَالِكُ بْنُ أَنَسٍ: هُوَ الزَّكَاةُ وَاعْتُرِضَ هَذَا الْقَوْلُ بِأَنَّ السُّورَةَ مَكِّيَّةٌ وَهَذِهِ الْآيَةُ عَلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ غَيْرُ مُسْتَثْنَاةٍ. وَحَكَى الزَّجَّاجُ: أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ قِيلَ فِيهَا إِنَّهَا نَزَلَتْ بِالْمَدِينَةِ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ وَهُوَ الْبَاقِرُ وَعَطَاءٌ وَحَمَّادٌ وَمُجَاهِدٌ وَإِبْرَاهِيمُ وَابْنُ جُبَيْرٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ وَالرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ وَيَزِيدُ بْنُ الْأَصَمِّ وَالْحَكَمُ: هُوَ حَقٌّ غَيْرُ الزَّكَاةِ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: إِذَا حَضَرَ الْمَسَاكِينُ فَاطْرَحْ لَهُمْ عِنْدَ الْجِذَاذِ وَعِنْدَ التَّكْدِيسِ وَعِنْدَ الدَّرْسِ وَعِنْدَ التَّصْفِيَةِ، وَعَنْهُ أَيْضًا كَانُوا يُعَلِّقُونَ الْعَذْقَ عِنْدَ الصِّرَامِ فَيَأْكُلُ مِنْهُ مَنْ مَسَّ. وَعَنْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ الضِّغْثُ يَطْرَحُهُ لِلْمَسَاكِينِ وَلَفْظُ مَا يُسْقِطُ مِنْكَ مِنَ السُّنْبُلِ لَا يَمْنَعُهُمْ مِنْهُ.
وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ الْحَنَفِيَّةِ وَإِبْرَاهِيمَ وَالْحَسَنِ وَعَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ وَالسُّدِّيِّ: أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ نَسَخَهَا الْعُشْرُ وَنِصْفُ الْعُشْرِ. قَالَ سُفْيَانُ: قُلْتُ لِلسُّدِّيِّ نَسَخَهَا عَنْ مَنْ قَالَ عَنِ الْعُلَمَاءِ. وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ النَّحَّاسُ مَا مُلَخَّصُهُ: هَلْ أُرِيدَ بِهَا الزَّكَاةُ أَوْ نُسِخَتْ بِالزَّكَاةِ الْمَفْرُوضَةِ أَوْ بِالْعُشْرِ وَنِصْفِ الْعُشْرِ أَوْ هِيَ مُحْكَمَةٌ يُرَادُ بِهَا غَيْرُ الزَّكَاةِ أَوْ ذَلِكَ عَلَى النَّدْبِ؟
خَمْسَةُ أَقْوَالٍ: وَإِذَا كَانَ مَعْنِيًّا بِهِ الزَّكَاةُ فَالظَّاهِرُ إِخْرَاجُهُ مِنْ كُلِّ مَا سَبَقَ ذِكْرُهُ، فَيَعُمُّ جَمِيعَ ما
(١) سورة القصص: ٢٨/ ٧٧.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute