للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ الضَّحَّاكُ: هِيَ النَّعَامَةُ وَحِمَارُ الْوَحْشِ وَهُوَ ضَعِيفٌ لِتَخْصِيصِهِ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: كُلُّ ذِي مِخْلَبٍ مِنَ الطَّيْرِ وَذِي حَافِرٍ مِنَ الدَّوَابِّ وَذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ. وَقَالَ الْقُتَبِيُّ: الظُّفُرُ هُنَا بِمَنْزِلَةِ الْحَافِرِ يَدْخُلُ فِيهِ كُلُّ ذِي حَافِرٍ مِنَ الدَّوَابِّ سُمِّيَ الْحَافِرُ ظُفْرًا اسْتِعَارَةً. وَقَالَ ثَعْلَبٌ:

كُلُّ مَا لَا يَصِيدُ فَهُوَ ذُو ظُفْرٍ وَمَا يَصِيدُ فَهُوَ ذُو مِخْلَبٍ. قَالَ النَّقَّاشُ: هَذَا غَيْرُ مُطَّرِدٍ لِأَنَّ الْأَسَدَ ذُو ظُفْرٍ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: مَا لَهُ أُصْبُعٌ مِنْ دَابَّةٍ أَوْ طَائِرٍ، وَكَانَ بَعْضُ ذَوَاتِ الظُّفْرِ حَلَالًا لَهُمْ فَلَمَّا ظَلَمُوا حُرِّمَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ فَعَمَّ التَّحْرِيمُ كُلَّ ذِي ظُفُرٍ بِدَلِيلِ قَوْلُهُ: فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ «١» .

وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الرَّازِيُّ: حَمْلُ الظُّفْرِ عَلَى الْحَافِرِ ضَعِيفٌ لِأَنَّ الْحَافِرَ لَا يَكَادُ يُسَمَّى ظُفْرًا وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَقِيلَ: حَرَّمَ عَلَيْهِمْ كُلَّ حَيَوَانٍ لَهُ حَافِرٌ وَذَلِكَ بَاطِلٌ لِدَلَالَةِ الْآيَةِ عَلَى إِبَاحَةِ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ مَعَ أَنَّهَا لَهَا حَافِرٌ، فَوَجَبَ حَمْلُ الظُّفْرِ عَلَى الْمَخَالِبِ وَالْبَرَاثِنِ لِأَنَّ الْمَخَالِبَ آلَاتٌ لِجَوَارِحِ الصَّيْدِ فِي الِاصْطِيَادِ فَيَدْخُلُ فِيهِ أَنْوَاعُ السِّبَاعِ وَالْكِلَابِ وَالسَّنَانِيرِ وَالطُّيُورِ الَّتِي تَصْطَادُ وَيَكُونُ هَذَا مُخْتَصًّا بِالْيَهُودِ لِدَلَالَةِ وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا عَلَى الْحَصْرِ فَيَخْتَصُّ التَّحْرِيمُ بِالْيَهُودِ وَلَا تَكُونُ مُحَرَّمَةً عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَمَا رُوِيَ مِنْ تَحْرِيمِ ذِي النَّابِ مِنَ السِّبَاعِ وَذِي الْمِخْلَبِ مِنَ الطَّيْرِ ضَعِيفٌ، لِأَنَّهُ خَبَرُ وَاحِدٍ عَلَى خِلَافِ كِتَابِ اللَّهِ فَلَا يُقْبَلُ وَيُقَوِّي مَذْهَبَ مَالِكٍ انْتَهَى، مُلَخَّصًا وَفِيهِ مُنَوَّعٌ. أَحَدُهَا: لَا نُسَلِّمُ تَخْصِيصَ ذِي الظُّفُرِ بِمَا قَالَهُ. الثَّانِي: لَا نُسَلِّمُ الْحَصْرَ الَّذِي ادَّعَاهُ. الثَّالِثُ: لَا نُسَلِّمُ الِاخْتِصَاصَ. الرَّابِعُ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ فِي تَحْرِيمِ ذِي النَّابِ وَذِي الْمِخْلَبِ عَلَى خِلَافِ كِتَابِ اللَّهِ وَكُلُّ مَنْ فَسَّرَ الظُّفْرَ بِمَا فَسَّرَهُ مِنْ ذَوِي الْأَقْوَالِ السَّابِقَةِ بِذَاهِبٍ إِلَى تَحْرِيمِ لَحْمِ مَا فَسَّرَهُ وَشَحْمِهُ وَكُلِّ شَيْءٍ مِنْهُ. وَذَهَبَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ وَلَيْسَ الْمُحَرَّمُ ذَا الظُّفْرِ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ مَا صَادَهُ ذُو الظُّفْرِ أَيْ ذُو الْمِخْلَبِ الَّذِي لَمْ يُعَلَّمْ وَهَذَا خِلَافُ الظَّاهِرِ. وَقَرَأَ أُبَيٌّ الحسن وَالْأَعْرَجُ ظُفُرٍ بِسُكُونِ الْفَاءِ وَالْحَسَنُ أَيْضًا وَأَبُو السَّمَّالِ قعنب بسكونها وكسر الطاء.

وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما أَيْ شُحُومَ الْجِنْسَيْنِ وَيَتَعَلَّقْ مِنَ بِحَرَّمْنَا الْمُتَأَخِّرَةِ وَلَا يَجِبُ تَقَدُّمُهَا عَلَى الْعَامِلِ، فَلَوْ كَانَ التَّرْكِيبُ وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ البقر والغنم شحومها لَكَانَ تَرْكِيبًا غَرِيبًا، كَمَا تَقُولُ: مِنْ زَيْدٍ أَخَذْتُ مَالَهُ وَيَجُوزُ أَخَذْتُ مِنْ زَيْدٍ مَالَهُ، وَالْإِضَافَةُ تَدُلُّ عَلَى تَأْكِيدِ التَّخْصِيصِ وَالرَّبْطِ إِذْ لَوْ أَتَى فِي الْكَلَامِ مِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمُ الشُّحُومَ لَكَانَ كَافِيًا فِي الدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُرَادُ إِلَّا شُحُومُ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ، وَيُحْتَمَلُ أن


(١) سورة النساء: ٤/ ١٦٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>