طَلَبَ شُهَدَاءَ بِالْحَقِّ وَذَلِكَ يُنَافِي مَعْنَى الْآيَةِ. وَقَالَ الْحَسَنُ: أَحْضِرُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ، قَالَ وَلَا تَجِدُونَ وَلَوْ حَضَرُوا لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمْ لِأَنَّهَا كَاذِبَةٌ. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: فَإِنِ افْتَرَى أَحَدٌ وَزَوَّرَ شَهَادَةً أَوْ خَبَّرَ عَنْ نُبُوَّةٍ فَتَجَنَّبْ أَنْتَ ذَلِكَ وَلَا تَشْهَدْ مَعَهُمْ، وَفِي قَوْلِهِ: فَلا تَشْهَدْ مَعَهُمْ قُوَّةُ وَصْفِ شَهَادَتِهِمْ بِنِهَايَةِ الزُّورِ. وَقَالَ أَبُو نَصْرِ الْقُشَيْرِيُّ: فَإِنْ شَهِدَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ فَلَا يُصَدَّقُ إِذِ الشَّهَادَةُ مِنْ كِتَابٍ أَوْ عَلَى لِسَانِ نَبِيٍّ وَلَيْسَ مَعَهُمْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: أَمَرَهُمْ بِاسْتِحْضَارِهِمْ وَهُمْ شُهَدَاءُ بِالْبَاطِلِ لِيُلْزِمَهُمُ الْحُجَّةَ وَيُلْقِمَهُمُ الْحَجَرَ وَيُظْهِرَ لِلْمَشْهُودِ لَهُمْ بِانْقِطَاعِ الشُّهَدَاءِ أَنَّهُمْ لَيْسُوا عَلَى شَيْءٍ لِتَسَاوِي أَقْدَامِ الشَّاهِدِينَ، وَالْمَشْهُودِ لَهُمْ فِي أَنَّهُمْ يَرْجِعُونَ إِلَى مَا يَصِحُّ التَّمَسُّكُ بِهِ وَقَوْلُهُ: فَلا تَشْهَدْ مَعَهُمْ فَلَا تُسَلِّمْ لَهُمْ مَا شَهِدُوا بِهِ وَلَا تُصَدِّقْهُمْ، لِأَنَّهُ إِذَا سَلَّمَ لَهُمْ فَكَأَنَّهُ شَهِدَ مَعَهُمْ مِثْلَ شَهَادَتِهِمْ فَكَانَ وَاحِدًا مِنْهُمُ انْتَهَى، وَهُوَ تَكْثِيرٌ.
وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ الظَّاهِرُ فِي الْعَطْفِ أَنَّهُ يَدُلُّ على مغايرة الذوات والَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا يَعُمُّ جَمِيعَ مَنْ كَذَّبَ الرَّسُولَ وَإِنْ كَانَ مُقِرًّا بِالْآخِرَةِ كَأَهْلِ الْكِتَابِ. وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قِسْمٌ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ بِالْآيَاتِ وَهُمْ عَبَدَةُ الْأَوْثَانِ وَالْجَاعِلُونَ لِرَبِّهِمْ عَدِيلًا وَهُوَ الْمِثْلُ عَدَلُوا بِهِ الْأَصْنَامَ فِي الْعِبَادَةِ وَالْإِلَهِيَّةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْعَطْفُ مِنْ تَغَايُرِ الصِّفَاتِ وَالْمَوْصُوفُ وَاحِدٌ وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ النَّاسِ، وَيَظْهَرُ أَنَّهُ اخْتِيَارُ الزَّمَخْشَرِيِّ لأنه قال: لا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا مِنْ وَضْعِ الظَّاهِرِ مَوْضِعَ الْمُضْمَرِ لِدَلَالَتِهِ عَلَى أَنَّ مَنْ كَذَّبَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَعَدَلَ بِهِ غَيْرَهُ فَهُوَ مُتَّبِعٌ لِلْهَوَى لَا غَيْرَ، لِأَنَّهُ لَوْ تَبِعَ الدَّلِيلَ لَمْ يَكُنْ إِلَّا مُصَدِّقًا بِالْآيَاتِ مُوَحِّدًا لِلَّهِ. وَقَالَ النَّقَّاشُ: نَزَلَتْ فِي الدَّهْرِيَّةِ مِنَ الزَّنَادِقَةِ.
قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ لَمَّا ذَكَرَ تَعَالَى مَا حَرَّمُوهُ افْتِرَاءً عَلَيْهِ ثُمَّ ذَكَرَ مَا أَبَاحَهُ تَعَالَى لَهُمْ مِنَ الْحُبُوبِ وَالْفَوَاكِهِ وَالْحَيَوَانِ، ذَكَرَ مَا حَرَّمَهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ مِنْ أَشْيَاءَ نَهَاهُمْ عَنْهَا وَمَا أَوْجَبَ عَلَيْهِمْ مِنْ أَشْيَاءَ أَمَرَهُمْ بِهَا وَتَقَدَّمَ شَرْحُ تَعالَوْا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: إِلى كَلِمَةٍ «١» وَالْخِطَابُ فِي قُلْ لِلرَّسُولِ وَفِي تَعالَوْا قِيلَ لِلْمُشْرِكِينَ. وَقِيلَ: لِمَنْ بِحَضْرَةِ الرَّسُولِ مِنْ مُؤْمِنٍ وَكِتَابِيٍّ وَمُشْرِكٍ وَسِيَاقُ الْآيَاتِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لِلْمُشْرِكِينَ، وَإِنْ كَانَ حُكْمُ غَيْرِهِمْ فِي ذَلِكَ حُكْمَهُمْ أَمَرَهُ تَعَالَى أَنْ يَدْعُوَ جَمِيعَ الْخَلْقِ إِلَى سَمَاعِ مَا حَرَّمَ اللَّهُ بِشَرْعِ
(١) سورة آل عمران: ٣/ ٦٤.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute