رَبُّكُمْ عَنْهُ فَالْمَعْنَى قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ مَا نَهَاكُمْ رَبُّكُمْ عَنْهُ، وَإِذَا كَانَ التَّقْدِيرُ هَكَذَا صَحَّ أَنْ تَكُونَ أَنْ تَفْسِيرِيَّةً لِفِعْلِ النَّهْيِ الدَّالِّ عَلَيْهِ التَّحْرِيمُ وَفِعْلِ الْأَمْرِ الْمَحْذُوفِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ تَقُولَ: أَمَرْتُكَ أَنْ لَا تُكْرِمَ جَاهِلًا وَأَكْرِمْ عَالِمًا إِذْ يَجُوزُ عَطْفُ الْأَمْرِ عَلَى النَّهْيِ وَالنَّهْيِ عَلَى الْأَمْرِ كَمَا قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:
يَقُولُونَ لَا تَهْلِكْ أَسًى وَتَجَمَّلِ وَهَذَا لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا بِخِلَافِ الْجُمَلِ الْمُتَبَايِنَةِ بِالْخَبَرِ وَالِاسْتِفْهَامِ وَالْإِنْشَاءِ فَإِنَّ فِي جَوَازِ الْعَطْفِ فِيهَا خِلَافًا وَقَدْ جَوَّزُوا فِي أَنْ أَنْ تَكُونَ مَصْدَرِيَّةً لَا تَفْسِيرِيَّةَ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ وَفِي مَوْضِعِ نَصْبٍ. فَأَمَّا الرَّفْعُ فَعَلَى إِضْمَارِ مُبْتَدَأٍ دَلَّ عليه المعنى أو التقدير المتلو أَلَّا تُشْرِكُوا. وَأَمَّا النَّصْبُ فَمِنْ وُجُوهٍ. أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ مَنْصُوبًا بِقَوْلِهِ: عَلَيْكُمْ وَيَكُونُ مِنْ بَابِ الْإِغْرَاءِ وَتَمَّ الْكَلَامُ عِنْدَ قَوْلِهِ: أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ أَيِ الْتَزِمُوا انْتِفَاءَ الْإِشْرَاكِ وَهَذَا بَعِيدٌ لِتَفْكِيكِ الْكَلَامِ عَنْ ظَاهِرِهِ. الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مَفْعُولًا مِنْ أَجْلِهِ أَيْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا وَهَذَا بَعِيدٌ لِأَنَّ مَا جَاءَ بَعْدَهُ أَمْرٌ مَعْطُوفٌ بِالْوَاوِ وَمُنَاهُ هِيَ مَعْطُوفَةٌ بِالْوَاوِ فَلَا يُنَاسِبُ أَنْ يَكُونَ تَبْيِينًا لِمَا حَرَّمَ، أَمَّا الْأَوَامِرُ فَمِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى وَأَمَّا الْمَنَاهِي فَمِنْ حَيْثُ الْعَطْفِ. الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ مَفْعُولًا بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ أُوصِيكُمْ أَنْ لَا تُشْرِكُوا لِأَنَّ قَوْلَهُ: وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً مَحْمُولٌ عَلَى أوصيكم بِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَهَذَا بَعِيدٌ لِأَنَّ الْإِضْمَارَ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ. وَهَذِهِ الْأَوْجُهُ الثَّلَاثَةُ لَا فِيهَا بَاقِيَةٌ عَلَى أَصْلِ وَضْعِهَا مِنَ النَّفْيِ وَهُوَ مُرَادٌ. الرَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى الْبَدَلِ مِنْ مَا حَرَّمَ أَوْ مِنَ الضَّمِيرِ الْمَحْذُوفِ مِنْ مَا حَرَّمَ إِذْ تَقْدِيرُهُ مَا حَرَّمَهُ وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ لَا فِيهِمَا زَائِدَةٌ كَهِيَ فِي قَوْلِهِ:
مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ «١» وَهَذَا ضَعِيفٌ لِانْحِصَارِ عُمُومِ الْمُحَرَّمِ فِي الْإِشْرَاكِ إِذْ مَا بَعْدَهُ مِنَ الْأَمْرِ لَيْسَ دَاخِلًا مِنَ الْمُحَرَّمِ وَلَا بَعْدَ الْأَمْرِ مِمَّا فِيهِ لَا يُمْكِنُ ادِّعَاءُ زِيَادَةٍ لَا فِيهِ لِظُهُورِ أَنْ لَا فِيهَا لِلنَّهْيِ.
وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: (فَإِنْ قُلْتَ) هَلَّا قُلْتَ هِيَ الَّتِي تَنْصِبُ الْفِعْلَ وَجَعَلْتَ أَلَّا تُشْرِكُوا بَدَلًا مِنْ مَا حَرَّمَ (قُلْتُ) : وَجَبَ أَنْ يَكُونَ لَا تُشْرِكُوا وَلَا تَقْرَبُوا وَلَا تَقْتُلُوا وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ نَوَاهِيَ لِانْعِطَافِ الْأَوَامِرِ عَلَيْهَا وَهِيَ قَوْلُهُ: وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً لِأَنَّ التَّقْدِيرَ وأحسنوا بِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَأَوْفُوا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفَوْا انتهى. ولا يتعين
(١) سورة الأعراف: ٧/ ١٢.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute