وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ هَذَا مُنْدَرِجٌ تَحْتَ عُمُومِ الْفَوَاحِشِ إِذِ الْأَجْوَدُ أَنْ لَا يَخُصَّ الْفَوَاحِشَ بِنَوْعٍ مَا، وَإِنَّمَا جَرَّدَ مِنْهَا قَتْلَ النَّفْسِ تَعْظِيمًا لِهَذِهِ الْفَاحِشَةِ وَاسْتِهْوَالًا لِوُقُوعِهَا وَلِأَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى الِاسْتِثْنَاءُ بِقَوْلِهِ: إِلَّا بِالْحَقِّ إِلَّا مِنَ الْقَتْلِ لَا مِنْ عُمُومِ الْفَوَاحِشِ، وَقَوْلُهُ: الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ حَوَالَةٌ عَلَى سَبْقِ الْعَهْدِ فِي تَحْرِيمِهَا فَلِذَلِكَ وُصِفَتْ بِالَّتِي، وَالنَّفْسُ الْمُحَرَّمَةُ هِيَ الْمُؤْمِنَةُ وَالذِّمِّيَّةُ وَالْمُعَاهَدَةُ وبِالْحَقِّ بِالسَّبَبِ الْمُوجِبِ لِقَتْلِهَا كَالرِّدَّةِ وَالْقِصَاصِ وَالزِّنَا بَعْدَ الْإِحْصَانِ وَالْمُحَارَبَةِ.
ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ أَشَارَ إِلَى جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ وَفِي لَفْظِ وَصَّاكُمْ
مِنَ اللُّطْفِ وَالرَّأْفَةِ وَجَعْلِهِمْ أَوْصِيَاءَ لَهُ تَعَالَى مَا لَا يَخْفَى مِنَ الْإِحْسَانِ، وَلَمَّا كَانَ الْعَقْلُ مَنَاطَ التَّكْلِيفِ قَالَ تَعَالَى: لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ أَيْ فوائد هذا التَّكَالِيفِ وَمَنَافِعَهَا فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا وَالْوَصَاةِ الْأَمْرِ الْمُؤَكَّدِ الْمُقَرَّرِ. وَقَالَ الْأَعْشَى:
أَجِدَّكَ لَمْ تَسْمَعْ وَصَاةَ مُحَمَّدٍ ... نَبِيِّ الْإِلَهِ حِينَ أَوْصَى وَأَشْهَدَا
وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ
هَذَا نَهْيٌ عَنِ الْقُرْبِ الَّذِي يَعُمُّ جَمِيعَ وُجُوهِ التَّصَرُّفِ، وَفِيهِ سَدُ الذَّرِيعَةِ.
إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ
أَيْ بِالْخَصْلَةِ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فِي حَقِّ الْيَتِيمِ وَلَمْ يَأْتِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ حَسَنَةٌ، بَلْ جَاءَ بِأَفْعَلَ التَّفْضِيلِ مُرَاعَاةً لِمَالِ الْيَتِيمِ وَأَنَّهُ لَا يَكْفِي فِيهِ الْحَالَةُ الْحَسَنَةُ بَلِ الْخَصْلَةُ الْحُسْنَى وَأَمْوَالُ النَّاسِ مَمْنُوعٌ مِنْ قُرْبَانِهَا، وَنَصَّ عَلَى الْيَتِيمِ
لِأَنَّ الطَّمَعَ فِيهِ أَكْثَرُ لِضَعْفِهِ وَقِلَّةِ مُرَاعَاتِهِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ زيد بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ
هُوَ أَنْ يَعْمَلَ لَهُ عَمَلًا مُصْلِحًا فَيَأْكُلُ مِنْهُ بِالْمَعْرُوفِ وَقْتَ الْحَاجَةِ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: حِفْظُهُ وَزِيَادَتُهُ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ:
حِفْظُ رِبْحِهِ بِالتِّجَارَةِ وَلَا يَأْخُذُ مِنْهُ شَيْئًا. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ
التِّجَارَةُ فَمَنْ كَانَ مِنَ النَّاظِرِينَ لَهُ مَالٌ يَعِيشُ بِهِ فَالْأَحْسَنُ إذ أَثْمَرَ مَالُ الْيَتِيمِ أَنْ لَا يَأْخُذَ مِنْهُ نَفَقَةً وَلَا أُجْرَةً وَلَا غَيْرَهَا، وَمَنْ كَانَ مِنَ النَّاظِرِينَ لَا مَالَ لَهُ وَلَا يَتَّفِقُ لَهُ نَظَرٌ إِلَّا بِأَنْ يُنْفِقَ عَلَى نَفْسِهِ أَنْفَقَ مِنْ رِبْحِ نَظَرِهِ. وَقِيلَ: الِانْتِفَاعُ بِدَوَابِّهِ وَاسْتِخْدَامُ جَوَارِيهِ لِئَلَّا يَخْرُجَ الْأَوْلِيَاءُ بِالْمُخَالَطَةِ ذَكَرَهُ الْمَرْوَزِيُّ. وَقِيلَ: لَا يَأْكُلُ مِنْهُ إِلَّا قَرْضًا وَهَذَا بِعِيدٌ وَأَيُّ أَحْسَنِيَّةٍ فِي هَذَا.
حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ
هَذِهِ غَايَةٌ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى لَا مِنْ حَيْثُ هَذَا التَّرْكِيبِ اللَّفْظِيِّ، وَمَعْنَاهُ احْفَظُوا عَلَى الْيَتِيمِ مَالَهُ إِلَى بُلُوغِ أَشُدِّهِ فَادْفَعُوهُ إِلَيْهِ. وَبُلُوغُ الْأَشُدِّ هُنَا لِلْيَتِيمِ هُوَ بُلُوغُ الْحُلُمِ قَالَهُ الشَّعْبِيُّ وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ وَيَحْيَى بْنُ يَعْمُرَ وَرَبِيعَةُ وَمَالِكٌ. وَحَكَى ابْنُ عَطِيَّةَ عَنِ