أَحْسَنَ ضَمِيرُ مُوسَى أَيْ تَمَامًا عَلَى إِحْسَانِ مُوسَى بِطَاعَتِنَا وَقِيَامِهِ بِأَمْرِنَا وَنَهْيِنَا، وَيَكُونُ فِي عَلَى إِشْعَارٌ بِالْعِلْيَةِ كَمَا تَقُولُ: أَحْسَنْتُ إِلَيْكَ عَلَى إِحْسَانِكَ إِلَيَّ. وَقِيلَ: الضَّمِيرُ فِي أَحْسَنَ يَعُودُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ زَيْدٍ، وَمُتَعَلَّقُ الْإِحْسَانِ إِلَى أَنْبِيَائِهِ أَوْ إِلَى مُوسَى قَوْلَانِ:
وَأَحْسَنُ مَا فِي هَذِهِ الْأَقْوَالِ كُلِّهَا فِعْلٌ. وَقَالَ بَعْضُ نُحَاةِ الْكُوفَةِ: يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ أَحْسَنَ اسْمًا وَهُوَ أَفْعَلُ التَّفْضِيلِ وَهُوَ مَجْرُورٌ صِفَةٌ لِلَّذِي وَإِنْ كَانَ نَكِرَةً مِنْ حَيْثُ قَارَبَ الْمَعْرِفَةَ إِذْ لَا يَدْخُلُهُ أَلْ كَمَا تَقُولُ الْعَرَبُ: مَرَرْتُ بِالَّذِي خَيْرٌ مِنْكَ، وَلَا يَجُوزُ مَرَرْتُ بِالَّذِي عَالِمٌ انْتَهَى. وَهَذَا سَائِغٌ عَلَى مَذْهَبِ الْكُوفِيِّينَ فِي الْكَلَامِ وَهُوَ خَطَأٌ عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ. وَقَرَأَ يَحْيَى بْنُ مَعْمَرٍ وَابْنُ أَبِي إِسْحَاقَ أَحْسَنَ بِرَفْعِ النُّونِ وَخُرِّجَ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ هُوَ أحسن وأَحْسَنَ خبر صلة كَقِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ مَثَلًا مَّا بَعُوضَةً «١» أَيْ تَمَامًا عَلَى الَّذِي هُوَ أَحْسَنُ دِينٍ وَأَرْضَاهُ أَوْ تَامًّا كَامِلًا عَلَى أَحْسَنِ مَا تَكُونُ عَلَيْهِ الْكُتُبُ، أَيْ عَلَى الْوَجْهِ وَالطَّرِيقِ الَّذِي هو أحسن وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ الْكَلْبِيِّ: أَتَمَّ لَهُ الْكِتَابَ عَلَى أَحْسَنِهِ. وَقَالَ التِّبْرِيزِيُّ: الَّذِي هُنَا بِمَعْنَى الْجَمْعِ وَأَحْسَنَ صِلَةُ فِعْلٍ مَاضٍ حُذِفَ مِنْهُ الضَّمِيرُ وَهُوَ الْوَاوُ فَبَقِيَ أَحْسَنَ أَيْ عَلَى الَّذِينَ أَحْسَنُوا، وَحَذْفُ هَذَا الضَّمِيرِ وَالِاجْتِزَاءُ بِالضَّمَّةِ تَفْعَلُهُ الْعَرَبُ. قَالَ الشَّاعِرُ:
فَلَوْ أَنَّ الْأَطِبَّاءَ كَانَ حَوْلِي وقال آخر:
إذا شاؤوا أَضَرُّوا مَنْ أَرَادُوا ... وَلَا يَأْلُوهُمُ أَحَدٌ ضِرَارًا
وَقَالَ آخَرُ:
شَبُّوا عَلَى الْمَجْدِ شابوا وَاكْتَهَلَ يُرِيدُ وَاكْتَهَلُوا فَحَذَفَ الْوَاوَ ثُمَّ حَذَفَ الضَّمِيرَ لِلْوَقْفِ انْتَهَى. وَهَذَا خَصَّهُ أَصْحَابُنَا بِالضَّرُورَةِ فَلَا يُحْمَلُ كِتَابُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ أَيْ لَعَلَّهُمْ بِالْبَعْثِ يُؤْمِنُونَ، فَالْإِيمَانُ بِهِ هُوَ نِهَايَةُ التَّصْدِيقِ إِذْ لَا يَجِبُ بِالْعَقْلِ لَكِنَّهُ يَجُوزُ فِي الْعَقْلِ وَأَوْجَبَهُ السَّمْعُ وَانْتِصَابُ تَفْصِيلًا وَمَا بَعْدَهُ كَانْتِصَابِ تَماماً.
وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ هَذَا إِشَارَةٌ إِلَى الْقُرْآنِ وأَنْزَلْناهُ ومُبارَكٌ صفتان لكتاب أَوْ خَبَرَانِ عَنْ هَذَا عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يُجِيزُ تَعْدَادَ الْأَخْبَارِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي مَعْنَى خَبَرٍ وَاحِدٍ وَكَانَ الْوَصْفُ بِالْإِنْزَالِ آكَدَ مِنَ الْوَصْفِ بِالْبَرَكَةِ
(١) سورة البقرة: ٢/ ٢٦.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute