للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَحْشَرِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمْ تَوَعَّدُوا بِالشَّيْءِ الْعَظِيمِ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ لِيَذْهَبَ الْفِكْرُ فِي ذَلِكَ كُلَّ مَذْهَبٍ لَكِنْ أَتَى بَعْدَ ذَلِكَ الْإِخْبَارُ عَنْهُ عَنْ هَذَا الْبَعْضِ بِعَدَمِ قَبُولِ التَّوْبَةِ فِيهِ إِذَا أَتَى، وَتَصْرِيحُ الرَّسُولِ بِأَنَّ طُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا وَقْتٌ لَا تَنْفَعُ فِيهِ التَّوْبَةُ فَيَظْهَرُ أَنَّهُ هَذَا الْبَعْضُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْبَعْضُ غَرْغَرَةَ الْإِنْسَانِ عِنْدَ الْمَوْتِ فَإِنَّهَا تَكُونُ فِي وَقْتٍ لَا تَنْفَعُ فِيهِ التَّوْبَةُ. قَالَ تَعَالَى: وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ «١»

وَفِي الْحَدِيثِ «أَنَّ تَوْبَةَ الْعَبْدِ تُقْبَلُ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ»

وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ غَيْرَ قَوْلِهِ: أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ فَيَكُونُ هَذَا عِبَارَةً عَنْ مَا يُقْطَعُ بِوُقُوعِهِ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ وَيَكُونُ قَوْلُهُ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ فِيهِ وَصْفٌ مَحْذُوفٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ الْمَعْنَى تَقْدِيرُهُ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ الَّتِي يَرْتَفِعُ مَعَهَا التَّوْبَةُ. وَثَبَتَ بِالْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّ طُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا وَقْتٌ لَا تُقْبَلُ فِيهِ التَّوْبَةُ وَيَدُلُّ عَلَى التَّغَايُرِ إِعَادَةُ آيَاتُ رَبِّكَ إِذْ لَوْ كَانَتْ هَذِهِ تِلْكَ لَكَانَ التَّرْكِيبُ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُهَا أَيْ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ.

يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً مَنْطُوقُ الْآيَةِ أَنَّهُ إِذَا أَتَى هَذَا الْبَعْضُ لَا يَنْفَعُ نَفْساً كَافِرَةً إِيمَانُهَا الَّذِي أَوْقَعَتْهُ إِذْ ذاك ولا يَنْفَعُ نَفْساً سَبَقَ إِيمَانُهَا وَمَا كَسَبَتْ فِيهِ خَيْرًا فَعَلَّقَ نَفْيَ الْإِيمَانِ بِأَحَدِ وَصْفَيْنِ: إِمَّا نَفْيُ سَبْقِ الْإِيمَانِ فَقَطْ وَإِمَّا سَبْقُهُ مَعَ نَفْيِ كَسْبِ الْخَيْرِ، وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ يَنْفَعُ الْإِيمَانُ السَّابِقُ وَحْدَهُ أَوِ السَّابِقُ وَمَعَهُ الْخَيْرُ وَمَفْهُومُ الصِّفَةِ قَوِيٌّ فَيُسْتَدَلُّ بِالْآيَةِ لِمَذْهَبِ أهل السنة من أن الْإِيمَانَ لَا يُشْتَرَطُ فِي صِحَّتِهِ الْعَمَلُ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ صِفَةٌ لِقَوْلِهِ: نَفْساً وَقَوْلُهُ: أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً عَطْفٌ عَلَى آمَنَتْ وَالْمَعْنَى أَنَّ أَشْرَاطَ السَّاعَةِ إِذَا جَاءَتْ وَهِيَ آيَاتٌ مُلْجِئَةٌ مُضْطَرَّةٌ ذَهَبَ أَوَانُ التَّكْلِيفِ عِنْدَهَا فَلَمْ يَنْفَعِ الْإِيمَانُ حِينَئِذٍ نَفْسًا غَيْرَ مُقَدِّمَةٍ إِيمَانَهَا مِنْ قَبْلِ ظُهُورِ الْآيَاتِ أَوْ مُقَدِّمَةً إِيمَانَهَا غَيْرَ كَاسِبَةٍ خَيْرًا فِي إِيمَانِهَا، فَلَمْ يُفَرَّقْ كَمَا تَرَى بَيْنَ النَّفْسِ الْكَافِرَةِ إِذَا آمَنَتْ فِي غَيْرِ وَقْتِ الْإِيمَانِ وَبَيْنَ النَّفْسِ الَّتِي آمَنَتْ فِي وَقْتِهَا وَلَمْ تَكْسِبْ خَيْرًا لِيُعْلَمَ أَنَّ قَوْلَهُ: الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ «٢» جَمَعَ بَيْنَ قَرِينَتَيْنِ لَا يَنْبَغِي أَنْ تَنْفَكَّ إِحْدَاهُمَا عَنِ الْأُخْرَى حَتَّى يَفُوزَ صَاحِبُهَا وَيَسْعَدَ وَإِلَّا فَالشَّقَاوَةُ وَالْهَلَاكُ انْتَهَى. وَهُوَ جَارٍ عَلَى مَذْهَبِهِ الاعتزالي.


(١) سورة النساء: ٤/ ١٨.
(٢) سورة مريم: ١٩/ ٩٦، وسورة الحج: ٢٢/ ١٤. [.....]

<<  <  ج: ص:  >  >>