قِرَاءَةُ أُبَيٍّ تَعُودُونَ فَرِيقَيْنِ فَرِيقاً هَدى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ وَعَلَى هَذَا الْمَعْنَى يَكُونُ الْوَقْفُ عَلَى تَعُودُونَ غَيْرَ حَسَنٍ لِأَنَّ فَرِيقاً نُصِبَ عَلَى الْحَالِ وَفَرِيقًا عُطِفَ عَلَيْهِ وَالْجُمْلَةُ مِنْ هَدى وَمِنْ حَقَّ فِي مَوْضِعِ الصِّفَةِ لِمَا قَبْلَهُ وَقَدْ حُذِفَ الضَّمِيرُ مِنْ جُمْلَةِ الصِّفَةِ أَيْ هَدَاهُمْ، وَجَوَّزَ أَبُو الْبَقَاءِ أَنْ يَكُونَ فَرِيقاً مَفْعُولَ هَدى وَفَرِيقاً مَفْعُولَ أَضَلَّ مُضْمَرَةً وَالْجُمْلَتَانِ الْفِعْلِيَّتَانِ حَالٌ، وَهَدَى عَلَى إِضْمَارِ قَدْ أَيْ تَعُودُونَ قَدْ هَدَى فَرِيقًا وَأَضَلَّ فَرِيقًا، وَعَلَى الْمَعْنَى الْأَوَّلِ يَحْسُنُ الْوَقْفُ عَلَى تَعُودُونَ وَيَكُونُ فَرِيقاً مَفْعُولًا بِهَدَى وَيَكُونُ وَفَرِيقاً مَنْصُوبًا بِإِضْمَارِ فِعْلٍ يُفَسِّرُهُ قَوْلُهُ حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ، وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: فَرِيقاً هَدى وَهُمُ الَّذِينَ أَسْلَمُوا أَيْ وَفَّقَهُمْ لِلْإِيمَانِ وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ أَيْ كَلِمَةُ الضَّلَالَةِ وَعَلِمَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُمْ يَضِلُّونَ وَلَا يَهْتَدُونَ وَانْتِصَابُ قَوْلِهِ تَعَالَى وَفَرِيقاً بِفِعْلٍ يُفَسِّرُهُ مَا بَعْدَهُ كَأَنَّهُ قِيلَ وَخَذَلَ فَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ انْتَهَى وَهِيَ تَقَادِيرُ عَلَى مَذْهَبِ الِاعْتِزَالِ، وَقِيلَ الْمَعْنَى تَعُودُونَ لَا نَاصِرَ لَكُمْ وَلَا مُعِينَ لِقَوْلِهِ وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى «١» ، وَقَالَ الْحَسَنُ: كَمَا بَدَأَكُمْ مِنَ التُّرَابِ يُعِيدُكُمْ إِلَى التُّرَابِ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ كَمَا خَلَقَكُمْ عُرَاةً تُبْعَثُونَ عُرَاةً وَمَعْنَى حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ أَيْ حَقُّ عَلَيْهِمْ مِنَ اللَّهِ أَوْ حَقَّ عَلَيْهِمْ عُقُوبَةُ الضَّلَالَةِ هَكَذَا قَدَّرَهُ بَعْضُهُمْ، وَجَاءَ إِسْنَادُ الْهُدَى إِلَى اللَّهِ وَلَمْ يجىء مُقَابِلُهُ وَفَرِيقًا أَضَلَّ لِأَنَّ الْمَسَاقَ مَسَاقٌ مِنْ نَهْيٍ عَنْ أَنْ يَفْتِنَهُ الشَّيْطَانُ وَإِخْبَارٌ أَنَّ الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءٌ لِلَّذِينِ لَا يُؤْمِنُونَ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَأَمَرَ بِالْقِسْطِ وَإِقَامَةِ الصَّلَاةِ فَنَاسَبَ هَذَا الْمَسَاقَ أَنْ لَا يُسْنِدَ إِلَيْهِ تَعَالَى الضَّلَالَ، وَإِنْ كَانَ تَعَالَى هُوَ الْهَادِي وَفَاعِلُ الضَّلَالَةِ فَكَذَلِكَ عَدَلَ إِلَى قَوْلِهِ حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ.
إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ أَيْ إِنَّ الْفَرِيقَ الضَّالَّ اتَّخَذُوا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ أَنْصَارًا وَأَعْوَانًا يَتَوَلَّوْنَهُمْ وَيَنْتَصِرُونَ بِهِمْ كَقَوْلِ بَعْضِهِمْ اعْلُ هُبَلُ اعْلُ هُبَلُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ حَقِيقَةُ الشَّيَاطِينِ فَهُمْ يُعِينُونَهُمْ عَلَى كُفْرِهِمْ وَالضَّالُّونَ يَتَوَلَّوْنَهُمْ بِانْقِيَادِهِمْ إِلَى وَسْوَسَتِهِمْ، وَقِيلَ: الشَّيَاطِينُ أَحْبَارُهُمْ وَكُبَرَاؤُهُمْ، قَالَ الطَّبَرِيُّ:
وَهَذِهِ الْآيَةُ دَلِيلٌ عَلَى خَطَأِ قَوْلِ مَنْ زَعَمَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يُعَذِّبُ أَحَدًا عَلَى مَعْصِيَةٍ رَكِبَهَا أَوْ ضَلَالَةٍ اعْتَقَدَهَا إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهَا عَلَى عِلْمٍ مِنْهُ بِمَوْضِعِ الصَّوَابِ انْتَهَى، وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ قَوْلُهُ وَيَحْسَبُونَ وَالْمَحْسَبَةُ الظَّنُّ لَا الْعِلْمُ، وَقَرَأَ الْعَبَّاسُ بْنُ الْفَضْلِ وَسَهْلُ بْنُ شُعَيْبٍ وَعِيسَى بْنُ عُمَرَ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَهُوَ تَعْلِيلٌ لحقّ الضلالة عليهم والكسر
(١) سورة الأنعام: ٦/ ٩٤.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute