وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: الْبَغْيَ التَّعَدِّي وَتَجَاوُزُ الْحَدِّ مُبْتَدِئًا كَانَ أَوْ مُنْتَصِرًا وَقَوْلُهُ بِغَيْرِ الْحَقِّ زِيَادَةُ بَيَانٍ وَلَيْسَ يُتَصَوَّرُ بَغْيٌ بِحَقٍّ لِأَنَّ مَا كَانَ بِحَقٍّ لَا يُسَمَّى بَغْيًا وَتَقَدَّمَ تَفْسِيرُ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً فِي الْأَنْعَامِ، وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِيهِ تَهَكُّمٌ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُنَزِّلَ بُرْهَانًا بِأَنْ يُشْرِكَ بِهِ غَيْرَهُ مَا لَا تَعْلَمُونَ مِنْ تَحْرِيمِ الْبَحَائِرِ وَغَيْرِهَا، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَرَادَ بِذَلِكَ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ بَنَاتُ اللَّهِ، وَقِيلَ قَوْلُهُمْ أَنَّهُ حَرَّمَ عَلَيْهِمْ مَآكِلَ وَمَلَابِسَ وَمَشَارِبَ فِي الْإِحْرَامِ مِنْ قِبَلِ أَنْفُسِهِمْ.
وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ هَذَا وَعِيدٌ لِأَهْلِ مَكَّةَ بِالْعَذَابِ النَّازِلِ فِي أَجَلٍ مَعْلُومٍ عِنْدَ اللَّهِ كَمَا نَزَلَ بِالْأُمَمِ أَيْ أَجَلٌ مُؤَقَّتٌ لِمَجِيءِ الْعَذَابِ إِذَا خَالَفُوا أَمْرَ رَبِّهِمْ فَأَنْتُمْ أَيَّتُهَا الْأُمَّةُ كَذَلِكَ، وَقِيلَ: الْأَجَلُ هُنَا أَجَلُ الدُّنْيَا التَّقْدِيرُ: لِلْأُمَمِ كُلِّهَا أَجَلٌ أَيْ يُقْدِمُونَ فِيهِ عَلَى مَا قَدَّمُوا مِنْ عَمَلٍ، وَقِيلَ: الْأَجَلُ مُدَّةُ الْعُمْرِ وَالتَّقْدِيرُ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْأُمَّةِ عُمْرٌ يَنْتَهِي إِلَيْهِ بَقَاؤُهُ فِي الدُّنْيَا وَإِذَا مَاتَ عَلِمَ مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنَ حَقٍّ أَوْ بَاطِلٍ، وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: أَيْ فِرْقَةٍ وَجَمَاعَةٍ وَهِيَ لَفْظَةٌ تُسْتَعْمَلُ فِي الْكَثِيرِ مِنَ النَّاسِ، وَقَالَ غَيْرُهُ: وَالْأُمَّةُ الْجَمَاعَةُ قَلُّوا أَوْ كَثُرُوا وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى الْوَاحِدِ
كَقَوْلِهِ فِي قُسِّ بْنِ سَاعِدَةَ «يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أُمَّةً وَحْدَهُ»
وَأَفْرَدَ الْأَجَلَ لِأَنَّهُ اسْمُ جِنْسٍ أَوْ لِتَقَارُبِ أَعْمَالِ أَهْلِ كُلِّ عَصْرٍ أَوْ لِكَوْنِ التَّقْدِيرِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ أُمَّةٍ، وَقَرَأَ الْحَسَنُ وَابْنُ سِيرِينَ فَإِذَا جَاءَ آجَالُهُمْ بِالْجَمْعِ وَقَالَ سَاعَةً لِأَنَّهَا أَقَلُّ الْأَوْقَاتِ فِي اسْتِعْمَالِ النَّاسِ يَقُولُ الْمُسْتَعْجِلُ لِصَاحِبِهِ فِي سَاعَةٍ يُرِيدُ فِي أَقْصَرِ وَقْتٍ وَأَقْرَبِهِ قَالَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ، وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ لَفْظٌ عُنِيَ بِهِ الْجُزْءُ الْقَلِيلُ مِنَ الزَّمَانِ وَالْمُرَادُ جَمْعُ أَجْزَائِهِ انْتَهَى، وَالْمُضَارِعُ الْمَنْفِيُّ بِلَا إِذَا وَقَعَ فِي الظَّاهِرِ جَوَابًا لِإِذَا يَجُوزُ أَنْ يُتَلَقَّى بِفَاءِ الْجَزَاءِ وَيَجُوزَ أَنْ لَا يُتَلَقَّى بِهَا وَيَنْبَغِي أَنْ يُعْتَقَدَ أَنَّ بَيْنَ الْفَاءِ وَالْفِعْلِ مُبْتَدَأً مَحْذُوفًا وَتَكُونُ الْجُمْلَةُ إِذْ ذَاكَ اسْمِيَّةً وَالْجُمْلَةُ الِاسْمِيَّةُ إِذَا وَقَعَتْ جَوَابًا لِإِذَا فَلَا بُدَّ فِيهَا مِنْ الْفَاءِ أَوْ إِذَا الْفُجَائِيَّةِ، قَالَ بَعْضُهُمْ: وَدَخَلَتِ الْفَاءُ عَلَى إِذَا حَيْثُ وَقَعَ إِلَّا فِي يُونُسَ لِأَنَّهَا عَطَفَتْ جُمْلَةً عَلَى جُمْلَةٍ بَيْنَهُمَا اتِّصَالٌ وَتَعْقِيبٌ فَكَانَ الْمَوْضِعُ مَوْضِعَ الْفَاءِ وَمَا فِي يُونُسَ يَأْتِي فِي مَوْضِعِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ انْتَهَى، وَقَالَ الْحَوْفِيُّ وَلا يَسْتَقْدِمُونَ مَعْطُوفٌ عَلَى لَا يَسْتَأْخِرُونَ انْتَهَى، وَهَذَا لَا يُمْكِنُ لِأَنَّ إِذَا شَرْطِيَّةٌ فَالَّذِي يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا إِنَّمَا هُوَ مُسْتَقْبَلٌ وَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَى مَجِيءِ الْأَجَلِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ إِلَّا مُسْتَقْبَلٌ وَذَلِكَ يُتَصَوَّرُ فِي انْتِفَاءِ الِاسْتِئْخَارِ لَا فِي انْتِفَاءِ الِاسْتِقْدَامِ لِأَنَّ الِاسْتِقْدَامَ سَابِقٌ عَلَى مَجِيءِ الْأَجَلِ فِي الِاسْتِقْبَالِ فَيَصِيرُ نَظِيرَ قَوْلِكَ إِذَا قُمْتَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لَمْ يَتَقَدَّمْ قِيَامُكَ فِي الْمَاضِي وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ إِذَا قَامَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لَمْ يَتَقَدَّمْ قِيَامُهُ هَذَا فِي الْمَاضِي وَهَذَا شَبِيهٌ بِقَوْلِ زُهَيْرٍ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute