يُنَاسِبُ هَذَا التَّفْسِيرُ الْجُمْلَةَ الَّتِي بَعْدَ هَذَا، وَقَالَ الْحَسَنُ: مَا كُتِبَ لَهُمْ مِنَ الْعَذَابِ، وَقَالَ الرَّبِيعُ وَمُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ وَابْنُ زَيْدٍ: مَا سَبَقَ لَهُمْ فِي أُمِّ الْكِتَابِ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَيْضًا ومجاهد أَيْضًا وَقَتَادَةُ: مَا كَتَبَ الْحَفَظَةُ فِي صَحَائِفِ النَّاسِ مِنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ فَيُقَالُ: هَذَا نَصِيبُهُمْ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ الْكُفْرُ وَالْمَعَاصِي وَقَالَ الْحَكَمُ وَأَبُو صَالِحٍ مَا كتب لهم من الأرزاق وَالْأَعْمَارِ وَالْخَيْرِ وَالشَّرِّ فِي الدُّنْيَا. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: مَا كُتِبَ لَهُمْ مِنَ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَيْضًا وَالضَّحَّاكُ أَيْضًا وَمُجَاهِدٌ ما كتب لهم من الْكُفْرِ وَالْمَعَاصِي، وَقَالَ الْحَسَنُ أَيْضًا: مَا كُتِبَ لَهُمْ مِنَ الضَّلَالَةِ وَالْهُدَى، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَيْضًا: مَا كُتِبَ لَهُمْ مِنَ الْأَعْمَالِ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَالضَّحَّاكُ: مِنَ الْكِتابِ يُرَادُ بِهِ مِنَ الْقُرْآنِ وَحَظُّهُمْ فِيهِ سَوَادُ وُجُوهِهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَقِيلَ: مَا أَوْجَبَ مِنْ حِفْظِ عُهُودِهِمْ إِذَا أَعْطُوا الْجِزْيَةَ. وَقَالَ الْحَسَنُ وَالسُّدِّيُّ وَأَبُو صَالِحٍ: مِنَ الْمُقَرَّرِ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ وَقَدْ تَقَرَّرَ فِي الشَّرْعِ أَنَّ حَظَّهُمْ فِيهِ الْعَذَابُ وَالسُّخْطُ وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الَّذِي كُتِبَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا مِنْ رِزْقٍ وَأَجَلٍ وَغَيْرِهِمَا يَنَالُهُمْ فِيهَا وَلِذَلِكَ جَاءَتِ التَّغْيِيَةُ بَعْدَ هَذَا بحتى وَإِلَى هَذَا الْمَعْنَى نَحَا الزَّمَخْشَرِيُّ، قَالَ: أَيْ مَا كتب لهم من الأرزاق وَالْأَعْمَالِ.
حَتَّى إِذا جاءَتْهُمْ رُسُلُنا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قالُوا أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَ. تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى حَتَّى إِذا فِي أَوَائِلِ الْأَنْعَامِ، وَوَقَعَ فِي التَّحْرِيرِ حَتَّى هُنَا لَيْسَ بِغَايَةٍ بَلْ هِيَ ابْتِدَاءٌ وَجَرٌّ وَالْجُمْلَةُ بَعْدَهَا فِي مَوْضِعِ جَرٍّ وَهَذَا وهم بل معناها هنا الْغَايَةُ وَالْخِلَافُ فِيهَا إِذَا كَانَتْ حَرْفَ ابْتِدَاءٍ أَهِيَ حَرْفُ جَرٍّ وَالْجُمْلَةُ بَعْدَهَا فِي مَوْضِعِ جَرٍّ وَتَتَعَلَّقُ بِمَا قَبْلَهَا كَمَا تَتَعَلَّقُ حُرُوفُ الْجَرِّ أَمْ لَيْسَتْ حَرْفَ جَرٍّ وَلَا تَتَعَلَّقُ بِمَا قَبْلَهَا تَعَلُّقَ حُرُوفِ الْجَرِّ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى لَا مِنْ حَيْثُ الْإِعْرَابِ قَوْلَانِ: الْأَوَّلُ لِابْنِ دُرُسْتَوَيْهِ وَالزَّجَّاجِ، وَالثَّانِي لِلْجُمْهُورِ وَإِذَا كَانَتْ حَرْفَ ابْتِدَاءٍ فَهِيَ لِلْغَايَةِ أَلَا تَرَاهَا فِي قَوْلِ الشَّاعِرِ:
سَرَيْتُ بِهِمْ حَتَّى تَكِلَّ مَطِيُّهُمْ ... وَحَتَّى الْجِيَادُ مَا يُقَدْنَ بِأَرْسَانِ
وَقَوْلِ الْآخَرِ:
فَمَا زَالَتِ الْقَتْلَى تَمُجُّ دِمَاءُهَا ... بِدِجْلَةَ حَتَّى مَاءُ دِجْلَةَ أَشْكَلُ
تُفِيدُ الْغَايَةَ لِأَنَّ الْمَعْنَى أَنَّهُ مَدَّ هَمَّهُمْ فِي السَّيْرِ إِلَى كَلَالِ الْمَطِيِّ وَالْجِيَادِ وَمَجَّتِ الدِّمَاءُ إِلَى تَغْيِيرِ مَاءِ دِجْلَةَ. قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَهِيَ حَتَّى الَّتِي يُبْتَدَأُ بَعْدَهَا الْكَلَامُ انْتَهَى، وَقَالَ الْحَوْفِيُّ وَحَتَّى غَايَةٌ متعلقة بينا لهم فَيَحْتَمِلُ قَوْلُهُ أَنْ يُرِيدَ التَّعَلُّقَ الصِّنَاعِيَّ وَأَنْ يُرِيدَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute