للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالَ يا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفاهَةٌ وَلكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ ناصِحٌ أَمِينٌ تَقَدَّمَتْ كَيْفِيَّةُ هَذَا النَّفْيِ فِي قَوْلِهِ لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ وَهُنَاكَ جَاءَ وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَهُنَا جَاءَ وَأَنَا لَكُمْ ناصِحٌ أَمِينٌ لَمَّا كَانَ آخِرُ جَوَابِهِمْ جُمْلَةً اسْمِيَّةً جَاءَ قَوْلُهُ كَذَلِكَ فَقَالُوا هُمْ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكاذِبِينَ قَالَ هُوَ وَأَنَا لَكُمْ ناصِحٌ أَمِينٌ وَجَاءَ بِوَصْفِ الْأَمَانَةِ وَهِيَ الْوَصْفُ الْعَظِيمُ الَّذِي حَمَلَهُ الْإِنْسَانُ وَلَا أَمَانَةَ أَعْظَمُ مِنْ أَمَانَةِ الرِّسَالَةِ وَإِيصَالِ أَعْبَائِهَا إِلَى الْمُكَلَّفِينَ وَالْمَعْنَى أَنِّي عُرِفْتُ فِيكُمْ بِالنُّصْحِ فَلَا يَحِقُّ لَكُمْ أَنْ تَتَّهِمُونِي وَبِالْأَمَانَةِ فِيمَا أَقُولُ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ أُكَذَّبَ، قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَقَوْلُهُ أَمِينٌ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ عَلَى الْوَحْيِ وَالذِّكْرِ النَّازِلِ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَمِينٌ عَلَيْهِمْ وَعَلَى غَيْبِهِمْ وَعَلَى إِرَادَةِ الْخَيْرِ بِهِمْ وَالْعَرَبُ تَقُولُ فُلَانٌ لِفُلَانٍ نَاصِحُ الْجَيْبِ أَمِينُ الْغَيْبِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ مِنَ الْأَمْنِ أَيْ جِهَتِي ذَاتُ أَمْنٍ لَكُمْ مِنَ الْكَذِبِ وَالْغِشِّ، قَالَ الْقُشَيْرِيُّ: شَتَّانَ مَا بَيْنَ مَنْ دَفَعَ عَنْهُ رَبُّهُ بِقَوْلِهِ مَا ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى «١» وَمَا صاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ «٢» وَمَنْ دَفَعَ عَنْ نَفْسِهِ بِقَوْلِهِ: لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ لَيْسَ بِي سَفاهَةٌ، قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَفِي إِجَابَةِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ مَنْ نَسَبَهُمْ إِلَى الضَّلَالَةِ وَالسَّفَاهَةِ بِمَا أَجَابُوهُمْ مِنَ الْكَلَامِ الصَّادِرِ عَنِ الْحِلْمِ وَالْإِغْضَاءِ وَتَرْكِ الْمُقَابَلَةِ بِمَا قَالُوا لَهُمْ مَعَ عِلْمِهِمْ بِأَنَّ خُصُومَهُمْ أَصْلُ السَّفَّاهِينَ وَأَسْفَلُهُمْ أَدَبٌ حَسَنٌ وَخُلُقٌ عَظِيمٌ وَحِكَايَةُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَنْهُمْ ذَلِكَ تَعْلِيمٌ لِعِبَادِهِ كَيْفَ يُخَاطِبُونَ السُّفَهَاءَ وَكَيْفَ يَغُضُّونَ عَنْهُمْ وَيُسْبِلُونَ أَذْيَالَهُمْ عَلَى مَا يَكُونُ مِنْهُمْ.

أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ أَتَى هُنَا بِعِلَّةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ الْإِنْذَارُ وَهُوَ التَّخْوِيفُ بِالْعَذَابِ وَاخْتَصَرَ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الْإِنْذَارِ مِنَ التَّقْوَى وَرَجَاءِ الرَّحْمَةِ.

وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ أَيْ سُكَّانَ الْأَرْضِ بَعْدَهُمْ قَالَهُ السُّدِّيُّ وَابْنُ إِسْحَاقَ، أَوْ جَعَلَكُمْ مُلُوكًا فِي الْأَرْضِ اسْتَخْلَفَكُمْ فِيهَا قَالَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ، وَتَذْكِيرُ هُودٍ بِذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى قُرْبِ زَمَانِهِمْ مِنْ زَمَانِ نُوحٍ لِقَوْلِهِ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وإِذْ ظَرْفٌ فِي قَوْلِ الْحَوْفِيِّ فَيَكُونُ مَفْعُولُ اذْكُرُوا مَحْذُوفًا أَيْ وَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَقْتَ كَذَا وَالْعَامِلُ فِي إِذْ مَا تَضَمَّنَهُ النِّعَمُ مِنَ الْفِعْلِ وَفِي قَوْلِ الزَّمَخْشَرِيِّ إِذْ مَفْعُولٌ بِهِ وَهُوَ مَنْصُوبٌ بِاذْكُرُوا أَيِ اذْكُرُوا وَقْتَ جَعْلِكُمْ.

وَزادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَصْطَةً ظَاهِرُ التَّوَارِيخِ أَنَّ الْبَسْطَةَ الِامْتِدَادُ وَالطُّولُ وَالْجَمَالُ فِي الصُّوَرِ وَالْأَشْكَالِ فَيُحْتَمَلُ إِذْ ذَاكَ أَنْ يَكُونَ الْخَلْقُ بِمَعْنَى الْمَخْلُوقِينَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَصْدَرًا


(١) سورة النجم: ٥٣/ ٢.
(٢) سورة التكوير: ٨١/ ٢٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>