للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ وَالْجُمْلَةُ مِنْ قَوْلِهِ مَا نَزَّلَ فِي مَوْضِعِ الصِّفَةِ وَالْمَعْنَى أَنَّهُ لَيْسَ لَكُمْ بِذَلِكَ حُجَّةٌ وَلَا بُرْهَانٌ وَجَاءَ هُنَا نَزَّلَ وَفِي مَكَانٍ غَيْرِهِ أَنْزَلَ وَكِلَاهُمَا فَصِيحٌ وَالتَّعْدِيَةُ بِالتَّضْعِيفِ وَالْهَمْزَةِ سَوَاءٌ.

فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ وَهَذَا غَايَةٌ فِي التَّهْدِيدِ وَالْوَعِيدِ أَيْ فَانْتَظِرُوا عَاقِبَةَ أَمْرِكُمْ فِي عِبَادَةِ غَيْرِ اللَّهِ وَفِي تَكْذِيبِ رَسُولِهِ وَهَذَا غَايَةٌ فِي الْوُثُوقِ بِمَا يَحِلُّ بِهِمْ وَأَنَّهُ كَائِنٌ لَا مَحَالَةَ.

فَأَنْجَيْناهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا يَعْنِي مَنْ آمَنَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ سَابِقَةٍ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ عَلَيْهِمْ حَيْثُ جَعَلَهُمْ آمَنُوا فَكَانَ ذَلِكَ سَبَبًا لِنَجَاتِهِمْ مِمَّا أَصَابَ قَوْمَهُمْ مِنَ الْعَذَابِ.

وَقَطَعْنا دابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا كِنَايَةٌ عَنِ اسْتِئْصَالِهِمْ بِالْهَلَاكِ بِالْعَذَابِ وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي دابِرَ فِي قَوْلِهِ فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا «١» وَفِي قَوْلِهِ الَّذِينَ كَذَّبُوا تَنْبِيهٌ عَلَى عِلَّةِ قَطْعِ دَابِرِهِمْ وَفِي قَوْلِهِ بِآياتِنا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَتْ لِهُودٍ مُعْجِزَاتٌ وَلَكِنْ لَمْ تُذْكَرْ لَنَا بِتَعْيِينِهَا.

وَما كانُوا مُؤْمِنِينَ جُمْلَةٌ مُؤَكِّدَةٌ لِقَوْلِهِ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ إِخْبَارًا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى أَنَّهُمْ مِمَّنْ عَلِمَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُمْ لَوْ بَقُوا لَمْ يُؤْمِنُوا أَيْ مَا كَانُوا مِمَّنْ يَقْبَلُ إِيمَانًا أَلْبَتَّةَ وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُمْ يُؤْمِنُونَ لَأَبْقَاهُمْ وَذَلِكَ أَنَّ الْمُكَذِّبَ بِالْآيَاتِ قَدْ يُؤْمِنُ بِهَا بَعْدَ ذَلِكَ وَيَحْسُنُ حاله فأما من حتم اللَّهُ عَلَيْهِ بِالْكُفْرِ فَلَا يُؤْمِنُ أَبَدًا وَفِي ذَلِكَ تَعْرِيضٌ بِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ كَمَرْثَدِ بْنِ سَعْدٍ وَمَنْ نَجَا مَعَ هُودٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَأَنَّهُ قَالَ وَقَطَعْنَا دَابِرَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا مِنْهُمْ وَلَمْ يَكُونُوا مِثْلَ مَنْ آمَنُ مِنْهُمْ لِيُؤْذِنَ أَنَّ الْهَلَاكَ خَصَّ الْمُكَذِّبِينَ وَنَجَّى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ قَالَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَذَكَرَ الْمُفَسِّرُونَ هُنَا قِصَّةَ هَلَاكِ عَادٍ وَذَكَرُوا فِيهَا أَشْيَاءَ لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِلَفْظِ الْقُرْآنِ وَلَا صَحَّتْ عَنِ الرَّسُولِ فَضَرَبْتُ عَنْ ذِكْرِهَا صَفْحًا وَأَمَّا مَا لَهُ تَعَلُّقٌ بِلَفْظِ الْقُرْآنِ فَيَأْتِي فِي مَوَاضِعِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً قالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ ثَمُودُ اسْمُ الْقَبِيلَةِ سُمِّيَتْ بِاسْمِ أَبِيهِمُ الْأَكْبَرِ وَهُوَ ثَمُودُ أَخُو جَدِيسٍ وَهُمَا ابْنَا جَاثِرِ بْنِ إِرَمَ بْنِ سَامَ بْنِ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَكَانَتْ مَسَاكِنُهُمُ الْحِجْرَ بَيْنَ الْحِجَازِ وَالشَّامِ وَإِلَى وَادِي الْقُرَى. وَقِيلَ سُمِّيَتْ ثَمُودَ لِقِلَّةِ مَا بِهَا مِنَ الثَّمَدِ وَهُوَ الْمَاءُ الْقَلِيلُ. قَالَ الشَّاعِرُ:

احْكُمْ كَحُكْمِ فَتَاةِ الْحَيِّ إِذْ نَظَرَتْ ... إِلَى حَمَامِ شِرَاعٍ وَارِدِ الثمد


(١) سورة الأنعام: ٦/ ٤٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>