للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْأَبْرَقِ إِذْ لَا يَكَادُ يُصَرَّحُ بِالْمَوْصُولِ مَعَهَا وَقَوْلُهُ قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ كَأَنَّهُ جَوَابٌ لِقَوْلِهِمْ ائتنا ببينة تَدُلُّ عَلَى صِدْقِكَ وَأَنَّكَ مرسل إلينا ومِنْ رَبِّكُمْ مُتَعَلِّقٌ بِجَاءَتْكُمْ أَوْ فِي مَوْضِعِ الصِّفَةِ لِآيَةٍ عَلَى تَقْدِيرِ مَحْذُوفٍ أَيْ مِنْ آيَاتِ رَبِّكُمْ.

هذِهِ ناقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً لِمَا أُبْهِمَ فِي قَوْلِهِ قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ بَيَّنَ مَا الْآيَةُ فَكَأَنَّهُ قِيلَ لَهُ مَا الْبَيِّنَةُ قَالَ هذِهِ ناقَةُ اللَّهِ وَأَضَافَهَا إِلَى اللَّهِ تَشْرِيفًا وَتَخْصِيصًا نَحْوُ بَيْتُ اللَّهِ وَرُوحُ اللَّهِ وَلِكَوْنِهِ خَلَقَهَا بِغَيْرِ وَاسِطَةِ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَلِأَنَّهُ لَا مَالِكَ لَهَا غَيْرُهُ وَلِأَنَّهَا حُجَّةٌ عَلَى الْقَوْمِ وَلَمَّا أَوْدَعَ فِيهَا مِنَ الْآيَاتِ ذَكَرَهَا فِي قِصَّةِ قَوْمِ صَالِحٍ ولَكُمْ بَيَانٌ لِمَنْ هِيَ لَهُ آيَةٌ مُوجِبَةٌ عَلَيْهِ الْإِيمَانَ وَهُمْ ثَمُودُ لِأَنَّهُمْ عَايَنُوهَا وَسَائِرُ النَّاسِ أُخْبِرُوا عَنْهَا كَأَنَّهُ قَالَ لَكُمْ خُصُوصًا وَانْتَصَبَ آيَةً عَلَى الْحَالِ وَالْعَامِلُ فِيهَا هَا بِمَا فِيهَا مِنْ مَعْنَى التَّنْبِيهِ أَوِ اسْمُ الْإِشَارَةِ بِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى الْإِشَارَةِ أَوْ فِعْلٌ مُضْمَرٌ تَدُلُّ عَلَيْهِ الْجُمْلَةُ كَأَنَّهُ قِيلَ انْظُرْ إِلَيْهَا فِي حَالِ كَوْنِهَا آيَةً أَقْوَالٌ ثَلَاثَةٌ ذُكِرَتْ فِي عِلْمِ النَّحْوِ، وَقَالَ الْحَسَنُ هِيَ نَاقَةٌ اعْتَرَضَهَا مِنْ إِبِلِهِمْ وَلَمْ تَكُنْ تُحْلَبُ،

وَقَالَ الزَّجَّاجُ: قِيلَ إِنَّهُ أَخَذَ نَاقَةً مِنْ سَائِرِ النُّوقِ وَجَعَلَ اللَّهُ لَهَا شِرْبًا يَوْمًا وَلَهُمْ شِرْبُ يَوْمٍ وَكَانَتِ الْآيَةُ فِي شِرْبِهَا وَحَلْبِهَا

، قِيلَ: وَجَاءَ بِهَا مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ،

وَقَالَ الْجُمْهُورُ: هِيَ آيَةٌ مُقْتَرَحَةٌ لَمَّا حَذَّرَهُمْ وَأَنْذَرَهُمْ سَأَلُوهُ آيَةً فَقَالَ أَيَّةُ آيَةٍ تُرِيدُونَ قَالُوا تَخْرُجُ مَعَنَا إِلَى عِيدِنَا فِي يَوْمٍ مَعْلُومٍ لَهُمْ مِنَ السَّنَةِ فَتَدْعُو إِلَهَكَ وَنَدْعُو آلِهَتَنَا فَإِنِ اسْتُجِيبَ لَكَ اتَّبَعْنَاكَ وَإِنِ استجيب لنا اتبعتنا قل صَالِحٌ نَعَمْ فَخَرَجَ مَعَهُمْ فَدَعَوْا أَوْثَانَهُمْ وَسَأَلُوهَا الْإِجَابَةَ فَلَمْ تُجِبْهُمْ ثُمَّ قَالَ سَيِّدُهُمْ جُنْدَعُ بْنُ عَمْرِو بْنِ جَوَّاسٍ وَأَشَارَ إِلَى صَخْرَةٍ مُنْفَرِدَةٍ مِنْ نَاحِيَةِ الْجَبَلِ يُقَالُ لَهَا الْكَاثِبَةُ أَخْرِجْ لَنَا مِنْ هَذِهِ الصَّخْرَةِ نَاقَةً مُخْتَرِجَةً جَوْفَاءَ وَبْرَاءَ وَعَشْرَاءَ، وَالْمُخْتَرِجَةُ مَا شاكلت البحت مِنَ الْإِبِلِ فَأَخَذَ صَالِحٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَوَاثِيقَهُمْ لَئِنْ فَعَلْتُ ذَلِكَ لَتُؤْمِنُنَّ وَلَتُصَدِّقُنَّ قَالُوا: نَعَمْ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَدَعَا رَبَّهُ فَتَمَخَّضَتِ الصَّخْرَةُ تَمَخُّضَ النَّتُوجِ بِوَلَدِهَا ثُمَّ تَحَرَّكَتْ فَانْصَدَعَتْ عَنْ نَاقَةٍ كَمَا وَصَفُوا لَا يَعْلَمُ مَا بَيْنَ جَنْبَيْهَا إِلَّا اللَّهُ عِظَمًا وَهُمْ يَنْظُرُونَ ثُمَّ نَتَجَتْ سَقْبًا مِثْلَهَا فِي الْعِظَمِ فَآمَنَ بِهِ جُنْدَعٌ وَرَهْطٌ مِنْ قَوْمِهِ وَأَرَادَ أَشْرَافُ ثَمُودَ أَنْ يُؤْمِنُوا فَنَهَاهُمْ ذُؤَابُ بْنُ عَمْرِو بْنِ لَبِيدٍ وَالْحُبَابُ صَاحِبَا أَوْثَانِهِمْ وَرَيَّانٌ ابْنُ كَاهِنِهِمْ وَكَانُوا مِنْ أَشْرَافِ ثَمُودَ

وَهَذِهِ النَّاقَةُ وَسَقْبُهَا مَشْهُورٌ قِصَّتُهُمَا عِنْدَ جَاهِلِيَّةِ الْعَرَبِ وَقَدْ ذَكَرُوا السَّقْبَ فِي أَشْعَارِهِمْ. قَالَ بَعْضُهُمْ يَصِفُ نَاسًا قُتِلُوا بِمَعْرَكَةِ حَرْبٍ بِأَجْمَعِهِمْ:

كَأَنَّهُمْ صَابَتْ عَلَيْهِمْ سَحَابَةٌ ... صواعقها كالطير هن دبيب

رغى فوقهم سقب السماء فداحض ... بِشَكَّتِهِ لَمْ يُسْتَلَبْ وَسَلِيبُ

<<  <  ج: ص:  >  >>