عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ أُتِيَ بِسَبْعَةٍ مِنْهُمْ فَرَجَمَ ربعة أُحْصِنُوا وَجَلَدَ ثَلَاثَةً وَعِنْدَهُ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَلَمْ يُنْكِرُوا وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَقَالَ مَالِكٌ: يُرْجَمُ أُحْصِنَ أَوْ لَمْ يُحْصَنْ وَكَذَا الْمَفْعُولُ بِهِ إِنْ كَانَ مُحْتَلِمًا وَعِنْدَهُ يُرْجَمُ الْمُحْصَنُ وَيُؤَدَّبُ وَيُحْبَسُ غَيْرُ المحصن وهو مذهب عَطِيَّةَ وَابْنِ الْمُسَيَّبِ وَالنَّخَعِيِّ وَغَيْرِهِمْ وَعَنْ مَالِكٍ أَيْضًا يُعَزَّرُ أُحْصِنَ أَوْ لَمْ يُحْصَنْ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَحَرَقَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ رَجُلًا يُقَالُ لَهُ الْفُجَاءُ عَمِلَ ذَلِكَ الْعَمَلَ وَذَلِكَ بِرَأْيِ أَبِي بَكْرٍ وَعَلِيٍّ وَأَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْمَعَ رَأْيُهُمْ عَلَيْهِ وَفِيهِمْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَرُوِيَ أَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ أَحْرَقَهُمْ فِي زَمَانِهِ وخالد القشيري بالعراق وهشام.
وما سَبَقَكُمْ جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ مِنَ الْفَاعِلِ أَوْ مِنَ الْفاحِشَةَ لِأَنَّ فِي سَبَقَكُمْ بِها ضَمِيرُهُمْ وَضَمِيرُهَا، وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: هِيَ جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ أَنْكَرَ عَلَيْهِمْ أَوَّلًا بِقَوْلِهِ أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ ثُمَّ وَبَّخَهُمْ عَلَيْهَا فَقَالَ: أَنْتُمْ أَوَّلُ مَنْ عَمِلَهَا أَوْ عَلَى أَنَّهُ جَوَابٌ لِسُؤَالٍ مُقَدَّرٍ كَأَنَّهُمْ قَالُوا لِمَ لَا نَأْتِيهَا فَقَالَ: مَا سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ فَلَا تَفْعَلُوا مَا لَمْ تُسْبَقُوا بِهِ، وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَالْبَاءُ لِلتَّعْدِيَةِ مِنْ قَوْلِكَ سَبَقْتُهُ بِالْكُرَةِ إِذَا ضَرَبْتُهَا قَبْلَهُ وَمِنْهُ
قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ «سَبَقَكَ بِهَا عُكَّاشَةُ»
انْتَهَى، وَمَعْنَى التَّعْدِيَةِ هُنَا قَلِقٌ جِدًّا لِأَنَّ الْبَاءَ الْمُعَدِّيَةُ فِي الْفِعْلِ الْمُتَعَدِّي إِلَى وَاحِدٍ هِيَ بِجَعْلِ الْمَفْعُولِ الْأَوَّلِ يَفْعَلُ ذَلِكَ الْفِعْلَ بِمَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ الْبَاءُ فَهِيَ كَالْهَمْزَةِ وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّكَ إِذَا قُلْتَ صَكَكْتُ الْحَجَرَ بِالْحَجَرِ فَمَعْنَاهُ أَصْكَكْتُ الْحَجَرَ الْحَجَرَ أَيْ جَعَلْتَ الْحَجَرَ يَصُكُّ الْحَجَرَ وَكَذَلِكَ دَفَعْتُ زَيْدًا بِعَمْرٍو عَنْ خَالِدٍ مَعْنَاهُ أَدْفَعْتُ زَيْدًا عَمْرًا عَنْ خَالِدٍ أَيْ جَعَلْتَ زَيْدًا يَدْفَعُ عَمْرًا عَنْ خَالِدٍ فَلِلْمَفْعُولِ الْأَوَّلِ تَأْثِيرٌ فِي الثَّانِي وَلَا يَتَأَتَّى هَذَا الْمَعْنَى هُنَا إِذْ لَا يَصِحُّ أَنْ يُقَدَّرَ أَسْبَقْتُ زَيْدًا الْكُرَةَ أَيْ جَعَلْتُ زَيْدًا يَسْبِقُ الْكُرَةَ إِلَّا بِمَجَازٍ مُتَكَلَّفٍ وَهُوَ أَنْ تَجْعَلَ ضَرْبَكَ لِلْكُرَةِ أَوَّلَ جَعْلِ ضَرْبَةٍ قَدْ سَبَقَهَا أَيْ تَقَدَّمَهَا فِي الزَّمَانِ فَلَمْ يَجْتَمِعَا.
إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّساءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ هَذَا بَيَانٌ لِقَوْلِهِ أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ وَأَتَى هُنَا مِنْ قَوْلِهِ أَتَى الْمَرْأَةَ غَشِيَهَا وَهُوَ اسْتِفْهَامٌ عَلَى جِهَةِ التَّوْبِيخِ وَالْإِنْكَارِ، وَقَرَأَ نَافِعٌ وَحَفْصٌ إِنَّكُمْ عَلَى الخبر المستأنف وشَهْوَةً مَصْدَرٌ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ قَالَهُ الْحَوْفِيُّ وَابْنُ عَطِيَّةَ، وَجَوَّزَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ وَأَبُو الْبَقَاءِ أَيْ مُشْتَهِينَ تَابِعِينَ لِلشَّهْوَةِ غَيْرَ مُلْتَفِتِينَ لِقُبْحِهَا أَوْ مَفْعُولٌ مِنْ أَجْلِهِ قَالَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ، وَبَدَأَ بِهِ أَبُو الْبَقَاءِ أَيْ لِلِاشْتِهَاءِ لَا حَامِلَ لَكُمْ عَلَى ذَلِكَ إِلَّا مُجَرَّدُ الشَّهْوَةِ وَلَا ذَمَّ أَعْظَمُ مِنْهُ لِأَنَّهُ وَصْفٌ لَهُمْ بِالْبَهِيمَةِ وَأَنَّهُمْ لَا دَاعِيَ لَهُمْ مِنْ جِهَةِ الْعَقْلِ كَطَلَبِ النَّسْلِ ونحوه ومِنْ دُونِ النِّساءِ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ أَيْ مُنْفَرِدِينَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute