للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَنْ مَوَاطِنِهِمْ ظُلْمًا أَوِ الْإِقْرَارِ بِالْعَوْدِ فِي مِلَّتِهِمْ، قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ الْهَمْزَةُ لِلِاسْتِفْهَامِ وَالْوَاوُ وَاوُ الْحَالِ تَقْدِيرُهُ أَتُعِيدُونَنَا فِي مِلَّتِكُمْ فِي حَالِ كَرَاهَتِنَا أَوْ مَعَ كَوْنِنَا كَارِهِينَ انْتَهَى، فَجَعَلَ الِاسْتِفْهَامَ خَاصًّا بِالْعَوْدِ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلِ الِاسْتِفْهَامُ هُوَ عَنْ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ الْإِخْرَاجِ أَوِ الْعَوْدِ وَجَعَلَ الْوَاوَ وَاوَ الْحَالِ وقدره أَتُعِيدُونَنَا فِي حَالِ كَرَاهَتِنَا وَلَيْسَتْ وَاوَ الْحَالِ الَّتِي يُعَبِّرُ عَنْهَا النَّحْوِيُّونَ بِوَاوِ الْحَالِ بَلْ هِيَ وَاوُ الْعَطْفِ عُطِفَتْ عَلَى حَالٍ مَحْذُوفَةٍ

كَقَوْلِهِ «رُدُّوا السَّائِلَ وَلَوْ بِظِلْفِ مُحْرَقٍ»

لَيْسَ الْمَعْنَى رُدُّوهُ فِي حَالِ الصَّدَقَةِ عَلَيْهِ بِظِلْفٍ مُحْرَقٍ بَلِ الْمَعْنَى رُدُّوهُ مَصْحُوبًا بِالصَّدَقَةِ وَلَوْ مَصْحُوبًا بِظِلْفٍ مُحْرَقٍ تَقَدَّمَ لَنَا إِشْبَاعُ الْقَوْلِ فِي نَحْوِ هَذَا.

قَدِ افْتَرَيْنا عَلَى اللَّهِ كَذِباً إِنْ عُدْنا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْها هذا إخباره مُقَيَّدٌ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى بِالشَّرْطِ وَجَوَابُ الشَّرْطِ مَحْذُوفٌ مِنْ حَيْثُ الصِّنَاعَةِ وَتَقْدِيرُهُ إِنْ عُدْنا فِي مِلَّتِكُمْ فَقَدِ افْتَرَيْنَا وَلَيْسَ قَوْلُهُ قَدِ افْتَرَيْنا عَلَى اللَّهِ كَذِباً هُوَ جَوَابُ الشَّرْطِ إِلَّا عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يُجِيزُ تَقْدِيمَ جَوَابِ الشَّرْطِ عَلَى الشَّرْطِ فَيُمْكِنُ أَنْ يخرج هذا عيه وَجَوَّزُوا فِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ إِخْبَارًا مُسْتَأْنَفًا، قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: فِيهِ مَعْنَى التَّعَجُّبِ كَأَنَّهُمْ قَالُوا مَا أَكْذَبَنَا عَلَى اللَّهِ إِنْ عُدْنَا فِي الْكُفْرِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ لِأَنَّ الْمُرْتَدَّ أَبْلَغُ فِي الِافْتِرَاءِ مِنَ الْكَافِرِ يَعْنِي الْأَصْلِيَّ لِأَنَّ الْكَافِرَ مُفْتَرٍ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ حَيْثُ يَزْعُمُ أَنَّ لِلَّهِ نِدًّا وَلَا نِدَّ لَهُ وَالْمُرْتَدُّ مِثْلُهُ فِي ذَلِكَ وَزَائِدٌ عَلَيْهِ حَيْثُ يَزْعُمُ أَنَّهُ قَدْ بُيِّنَ لَهُ مَا خَفِيَ عَلَيْهِ مِنَ التَّمْيِيزِ مَا بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ خَبَرٌ أَيْ قَدْ كُنَّا نُوَاقِعُ أَمْرًا عَظِيمًا فِي الرُّجُوعِ إِلَى الْكُفْرِ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنْ يَكُونَ قَسَمًا عَلَى تَقْدِيرِ حَذْفِ اللَّامِ أَيْ وَاللَّهِ لَقَدِ افْتَرَيْنَا ذَكَرَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ وَأَوْرَدَهُ ابْنُ عَطِيَّةَ احْتِمَالًا قَالَ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى جِهَةِ الْقَسَمِ الَّذِي هُوَ فِي صِيغَةِ الدُّعَاءِ مِثْلُ قَوْلِ الشَّاعِرِ:

بَقَّيْتُ وَفْرِي وَانْحَرَفْتُ عَنِ الْعُلَا ... وَلَقِيتُ أَضْيَافِي بِوَجْهِ عَبُوسِ

وَكَمَا تَقُولُ افْتَرَيْتُ عَلَى اللَّهِ أَنْ كَلَّمْتُ فُلَانًا وَلَمْ يُنْشِدِ ابْنُ عَطِيَّةَ الْبَيْتَ الَّذِي يُقَيِّدُ قَوْلَهُ بَقَّيْتُ وَمَا بَعْدَهُ بِالشَّرْطِ وَهُوَ قَوْلُهُ:

إِنْ لَمْ أَشُنَّ عَلَى ابْنِ هِنْدٍ غَارَةً ... لَمْ تَخْلُ يَوْمًا مِنْ نِهَابِ نُفُوسِ

وَلَمَّا كَانَ أَمْرُ الدِّينِ هُوَ الْأَعْظَمُ عِنْدَ الْمُؤْمِنِ وَالْمُؤْثَرُ عَلَى أَمْرِ الدُّنْيَا لَمْ يَلْتَفِتُوا إِلَى الْإِخْرَاجِ وَإِنْ كَانَ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ هُوَ الْأَعْظَمُ عِنْدَ الْمُؤْمِنِ وَالْمُؤْثَرُ عَلَى الْكَذِبِ أَقْسَمَ عَلَى وُقُوعِهِ الْكُفَّارُ فَقَالُوا قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ وَتَقَدَّمَ تَفْسِيرُ الْعَوْدِ بِالصَّيْرُورَةِ وَتَأْوِيلُهُ إِنْ كَانَ فِي مَعْنَى الرُّجُوعِ إِلَى مَا كَانَ الْإِنْسَانُ فِيهِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى النَّبِيِّ الْمَعْصُومِ مِنَ الْكَبَائِرِ وَالصَّغَائِرِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>