فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ بَدَأَ بِالْعَصَا دُونَ سَائِرِ الْمُعْجِزَاتِ لِأَنَّهَا مُعْجِزَةٌ تَحْتَوِي عَلَى مُعْجِزَاتٍ كَثِيرَةٍ
قَالُوا مِنْهَا أَنَّهُ ضَرَبَ بِهَا بَابَ فِرْعَوْنَ فَفَزِعَ مِنْ قَرْعِهَا فَشَابَ رَأْسُهُ فَخُضِّبَ بِالسَّوَادِ فَهُوَ أَوَّلُ مَنْ خَضَّبَ بِالسَّوَادِ وَانْقِلَابُهَا ثُعْبَانًا وَانْقِلَابُ خَشَبَةٍ لَحْمًا وَدَمًا قَائِمًا بِهِ الْحَيَاةُ مِنْ أَعْظَمِ الْإِعْجَازِ وَيَحْصُلُ مِنِ انْقِلَابِهَا ثُعْبَانًا مِنَ التَّهْوِيلِ مَا لَا يَحْصُلُ فِي غَيْرِهِ وَضَرْبُهُ بِهَا الْحَجَرَ فَيَنْفَجِرُ عُيُونًا وَضَرْبُهُ بِهَا فَتُنْبِتُ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ
وَمُحَارَبَتُهُ بِهَا اللُّصُوصَ وَالسِّبَاعَ الْقَاصِدَةَ غَنَمَهُ وَاشْتِعَالُهَا فِي اللَّيْلِ كَاشْتِعَالِ الشَّمْعَةِ وَصَيْرُورَتِهَا كَالرِّشَا لِيَنْزَحَ بِهَا الْمَاءَ مِنَ الْبِئْرِ الْعَمِيقَةِ وَتَلَقُّفُهَا الْحِبَالَ وَالْعِصِيَّ الَّتِي لِلسَّحَرَةِ وَإِبْطَالُهَا لِمَا صَنَعُوهُ مِنْ كَيْدِهِمْ وَسِحْرِهِمْ وَالْإِلْقَاءُ حَقِيقَةٌ هُوَ فِي الْأَجْرَامِ وَمَجَازٌ فِي الْمَعَانِي نَحْوُ أَلْقَى الْمَسْأَلَةَ.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالسُّدِّيُّ: صَارَتِ الْعَصَا حَيَّةً عَظِيمَةً شَعْرَاءَ فَاغِرَةً فَاهَا مَا بَيْنَ لِحْيَيْهَا ثَمَانُونَ ذِرَاعًا، وَقِيلَ: أَرْبَعُونَ ذَكَرَهُ مَكِّيٌّ عَنْ فَرْقَدٍ وَاضِعَةً أَحَدَ لِحْيَيْهَا بِالْأَرْضِ وَالْآخَرَ عَلَى سُورِ الْقَصْرِ وَذَكَرُوا مِنِ اضْطِرَابِ فِرْعَوْنَ وَفَزَعِهِ وَهَرَبِهِ وَوَعْدِهِ مُوسَى بِالْإِيمَانِ إِنْ عَادَتْ إِلَى حَالِهَا وَكَثْرَةِ مَنْ مَاتَ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ فَزَعًا أَشْيَاءَ لَمْ تَتَعَرَّضْ إِلَيْهَا الْآيَةُ وَلَا تَثْبُتْ فِي حَدِيثٍ صَحِيحٍ فَاللَّهُ أَعْلَمُ بِهَا وَمَعْنَى مُبِينٌ ظَاهِرٌ لَا تَخْيِيلَ فِيهِ بَلْ هُوَ ثُعْبَانٌ حَقِيقَةً، قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ فَإِذا ظَرْفُ مَكَانٍ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ عِنْدَ الْمُبَرِّدِ مِنْ حَيْثُ كَانَتْ خَبَرًا عَنْ جُثَّةٍ وَالصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ شُيُوخُنَا أَنَّهَا ظَرْفُ مَكَانٍ كَمَا قَالَهُ الْمُبَرِّدُ وَهُوَ الْمَنْسُوبُ إِلَى سِيبَوَيْهِ وَقَوْلُهُ مِنْ حَيْثُ كَانَتْ خَبَرًا عَنْ جُثَّةٍ لَيْسَتْ فِي هَذَا الْمَكَانِ خَبَرًا عَنْ جُثَّةٍ بَلْ خَبَرُ هِيَ قَوْلُهُ ثُعْبانٌ وَلَوْ قُلْتَ فَإِذا هِيَ لَمْ يَكُنْ كَلَامًا وَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُهُ مِنْ حَيْثُ كَانَتْ خَبَرًا عَنْ جُثَّةٍ عَلَى مِثْلِ خَرَجْتُ فَإِذَا السَّبْعُ عَلَى تَأْوِيلِ مَنْ جَعَلَهَا ظَرْفَ مَكَانٍ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ الصَّحِيحَ الَّذِي عَلَيْهِ النَّاسُ أَنَّهَا ظَرْفُ زَمَانٍ هُوَ مَذْهَبُ الرِّيَاشِيِّ وَنُسِبَ أَيْضًا إِلَى سِيبَوَيْهِ وَمَذْهَبُ الْكُوفِيِّينَ أَنَّ إِذَا الْفُجَائِيَّةَ حَرْفٌ لَا اسْمٌ.
وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ لِلنَّاظِرِينَ أَيْ جَذَبَ يَدَهُ قِيلَ مِنْ جَيْبِهِ وَهُوَ الظَّاهِرُ لِقَوْلِهِ وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ «١» ، وقيل من كمّه ولِلنَّاظِرِينَ أَيْ لِلنُّظَّارِ وَفِي ذِكْرِ ذَلِكَ تَنْبِيهٌ عَلَى عِظَمِ بَيَاضِهَا لِأَنَّهُ لَا يَعْرِضُ لَهَا لِلنُّظَّارِ إِلَّا إِذَا كَانَ بَيَاضُهَا عَجِيبًا خَارِجًا عَنِ الْعَادَةِ يَجْتَمِعُ النَّاسُ إِلَيْهِ كَمَا يَجْتَمِعُ النُّظَّارُ لِلْعَجَائِبِ، قَالَ مُجَاهِدٌ: بَيْضاءُ كَاللَّبَنِ أَوْ أَشُدُّ بَيَاضًا،
وَرُوِيَ أَنَّهَا كَانَتْ تَظْهَرُ منيرة شفاعة كَالشَّمْسِ ثُمَّ يَرُدُّهَا فَتَرْجِعُ إِلَى لَوْنِ مُوسَى وَكَانَ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ شَدِيدَ الْأُدْمَةِ
،
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ صَارَتْ نُورًا سَاطِعًا يُضِيءُ لَهُ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَهُ لَمَعَانٌ مِثْلُ لَمَعَانِ الْبَرْقِ فَخَرُّوا عَلَى وُجُوهِهِمْ
وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: بَلَغَنَا أن
(١) سورة النمل: ٢٧/ ١٢.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute