للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَآمَنْتُ لَهُ وَاحِدٌ فِي قَوْلِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ دَلِيلٌ عَلَى وَهَنِ أَمْرِهِ لِأَنَّهُ إِنَّمَا جَعَلَ ذَنْبَهُمْ بِمُفَارَقَةِ الْإِذْنِ وَلَمْ يَجْعَلْهُ نَفْسَ الْإِيمَانِ إِلَّا بِشَرْطٍ.

إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْها أَهْلَها أَيْ صَنِيعُكُمْ هَذَا لِحِيلَةٌ احْتَلْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَمُوسَى فِي مِصْرَ قَبْلَ أَنْ تَخْرُجُوا مِنْهَا إِلَى هَذِهِ الصَّحْرَاءِ وَتَوَاطَأْتُمْ عَلَى ذَلِكَ لِغَرَضٍ لَكُمْ وَهُوَ أَنْ تُخْرِجُوا مِنْهَا الْقِبْطَ وَتُسْكِنُوا بَنِي إِسْرَائِيلَ قَالَ هَذَا تَمْوِيهًا عَلَى النَّاسِ لِئَلَّا يَتَّبِعُوا السَّحَرَةَ فِي الْإِيمَانِ

رُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ اجْتَمَعَ مَعَ رَئِيسِ السَّحَرَةِ شَمْعُونَ فَقَالَ لَهُ مُوسَى أَرَأَيْتَ إِنْ غَلَبْتُكُمْ أَتُؤْمِنُونَ بِي فَقَالَ لَهُ نَعَمْ فَعَلِمَ بِذَلِكَ فِرْعَوْنُ فَقَالَ مَا قَالَ

انْتَهَى، وَلَمَّا خَافَ فِرْعَوْنُ أَنْ يَكُونَ إِيمَانُ السَّحَرَةِ حُجَّةَ قَوْمِهِ أَلْقَى فِي الْحَالِ نَوْعَيْنِ مِنَ الشُّبَهِ أَحَدَهُمَا إِنَّ هَذَا تَوَاطُؤٌ مِنْهُمْ لَا أَنَّ مَا جَاءَ بِهِ حَقٌّ وَالثَّانِي إِنَّ ذَلِكَ طَلَبٌ منهم للمك.

فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ تَهْدِيدٌ وَوَعِيدٌ وَمَفْعُولُ تَعْلَمُونَ مَحْذُوفٌ أَيْ مَا يَحِلُّ بِكُمْ أُبْهِمَ فِي مُتَعَلِّقِ تَعْلَمُونَ ثُمَّ عَيَّنَ مَا يُفْعَلُ بِهِمْ فَقَالَ مُقْسِمًا: لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ لَمَّا ظَهَرَتِ الْحُجَّةُ عَادَ إِلَى عَادَةِ مُلُوكِ السُّوءِ إِذَا غُلِبُوا مِنْ تَعْذِيبِ مَنْ نَاوَأَهُمْ وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا وَمَعْنَى مِنْ خِلافٍ أَيْ يَدٌ يُمْنَى وَرِجْلٌ يُسْرَى وَالْعَكْسُ، قِيلَ هُوَ أَوَّلُ مَنْ فَعَلَ هَذَا، وَقِيلَ الْمَعْنَى مِنْ أَجْلِ الْخِلَافِ الَّذِي ظَهَرَ مِنْكُمْ وَالصَّلْبُ التَّعْلِيقُ عَلَى الْخَشَبِ وَهَذَا التَّوَعُّدُ الَّذِي تَوَعَّدَهُ فِرْعَوْنُ السَّحَرَةَ لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ نَصٌّ عَلَى أَنَّهُ أَنْفَذَهُ وَأَوْقَعَهُ بِهِمْ وَلَكِنْ رُوِيَ فِي الْقِصَصِ أَنَّهُ قَطَعَ بَعْضًا وَصَلَبَ بَعْضًا وَتَقَدَّمَ قَوْلُ قَتَادَةَ، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُمْ أَصْبَحُوا سَحَرَةً وَأَمْسَوْا شُهَدَاءَ، وَقَرَأَ مُجَاهِدٌ وَحُمَيْدٌ الْمَكِّيُّ وَابْنُ مُحَيْصِنٍ لَأُقَطِّعَنَّ مُضَارِعُ قَطَعَ الثُّلَاثِيِّ ولَأُصَلِّبَنَّكُمْ مُضَارِعُ صَلَبَ الثُّلَاثِيِّ بِضَمِّ لَامِ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ وَرُوِيَ بِكَسْرِهَا وَجَاءَ هُنَا ثُمَّ وَفِي السُّورَتَيْنِ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ «١» بِالْوَاوِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْوَاوَ أُرِيدَ بِهَا مَعْنًى ثُمَّ مِنْ كَوْنِ الصَّلْبِ بَعْدَ الْقَطْعِ وَالتَّعْدِيَةُ قَدْ يَكُونُ مَعَهَا مُهْلَةٌ وَقَدْ لَا يَكُونُ.

قالُوا إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ هَذَا تَسْلِيمٌ وَاتِّكَالٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَثِقَةٌ بِمَا عِنْدَهُ وَالْمَعْنَى إِنَّا نَرْجِعُ إِلَى ثَوَابِ رَبِّنَا يَوْمَ الْجَزَاءِ عَلَى مَا نَلْقَاهُ مِنَ الشَّدَائِدِ أَوْ إِنَّا نَنْقَلِبُ إِلَى لِقَاءِ رَبِّنَا وَرَحْمَتِهِ وَخَلَاصِنَا مِنْكَ وَمِنْ لِقَائِكَ أَوْ إِنَّا مَيِّتُونَ مُنْقَلِبُونَ إِلَى اللَّهِ فَلَا نُبَالِي بِالْمَوْتِ إِذْ لَا تَقْدِرُ أَنْ تَفْعَلَ بِنَا إِلَّا مَا لَا بُدَّ لَنَا مِنْهُ فَالِانْقِلَابُ الْأَوَّلُ يَكُونُ الْمُرَادُ بِهِ يوم الجزاء وهذان


(١) سورة طه: ٢٠/ ٧١ والشعراء: ٢٦/ ٤٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>