للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ وَآلِهَتَكَ عَلَى الْجَمْعِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ فِرْعَوْنَ كَانَ لَهُ آلِهَةٌ يَعْبُدُهَا، وَقَالَ سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ: بَلَغَنِي أَنَّهُ كَانَ يَعْبُدُ الْبَقَرَ، وَقِيلَ: كَانَ يَعْبُدُ حَجَرًا يُعَلِّقُهُ فِي صَدْرِهِ كَيَاقُوتَةٍ أَوْ نَحْوِهَا، وَقِيلَ: الْإِضَافَةُ هِيَ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ شَرَعَ لَهُمْ عِبَادَةَ آلِهَةٍ مِنْ بَقَرٍ وَأَصْنَامٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَجَعَلَ نَفْسَهُ الْإِلَهَ الْأَعْلَى فَقَوْلُهُ عَلَى هَذَا أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى «١» إِنَّمَا هُوَ بِمُنَاسَبَةٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سِوَاهُ مِنَ الْمَعْبُودَاتِ، قِيلَ: كَانُوا قِبْطًا يَعْبُدُونَ الْكَوَاكِبَ وَيَزْعُمُونَ أَنَّهَا تَسْتَجِيبُ دُعَاءَ مَنْ دَعَاهَا وَفِرْعَوْنُ كَانَ يَدَّعِي أَنَّ الشَّمْسَ اسْتَجَابَتْ لَهُ وَمَلَّكَتْهُ عَلَيْهِمْ،

وَقَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَعَلِيٌّ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَأَنَسٌ وَجَمَاعَةٌ غَيْرُهُمْ وَإِلَهَتَكَ

وَفَسَّرُوا ذَلِكَ بِأَمْرَيْنِ أَحَدِهِمَا أَنَّ الْمَعْنَى وَعِبَادَتَكَ فَيَكُونُ إِذْ ذَاكَ مَصْدَرًا، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانَ فِرْعَوْنُ يُعْبَدُ وَلَا يَعْبُدُ، وَالثَّانِي أَنَّ الْمَعْنَى وَمَعْبُودَكَ وَهِيَ الشَّمْسُ الَّتِي كَانَ يَعْبُدُهَا وَالشَّمْسُ تُسَمَّى إِلَهَةً عَلَمًا عَلَيْهَا مَمْنُوعَةَ الصَّرْفِ.

قالَ سَنُقَتِّلُ أَبْناءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قاهِرُونَ وَإِنَّمَا لَمْ يُعَاجِلْ مُوسَى وَقَوْمَهُ بِالْقِتَالِ لِأَنَّهُ كَانَ مَلِيءٌ مِنْ مُوسَى رُعْبًا وَالْمَعْنَى أَنَّهُ قَالَ سَنُعِيدُ عَلَيْهِمْ مَا كُنَّا فَعَلْنَا بِهِمْ قَبْلُ مِنْ قَتْلِ أَبْنَائِهِمْ لِيَقِلَّ رَهْطُهُ الَّذِينَ يَقَعُ الْإِفْسَادُ بِوَاسِطَتِهِمْ وَالْفَوْقِيَّةُ هُنَا بِالْمَنْزِلَةِ وَالتَّمَكُّنِ فِي الدنيا وقاهِرُونَ يَقْتَضِي تَحْقِيرَهُمْ أَيْ قَاهِرُونَ لهم قهرا قلّ مِنْ أَنْ نَهْتَمَّ بِهِ فَنَحْنُ عَلَى مَا كُنَّا عَلَيْهِ مِنَ الْغَلَبَةِ أَوْ أَنَّ غَلَبَةَ مُوسَى لَا أَثَرَ لَهَا فِي مُلْكِنَا وَاسْتِيلَائِنَا وَلِئَلَّا يَتَوَهَّمُ الْعَامَّةُ أَنَّهُ الْمَوْلُودُ الَّذِي تَحَدَّثَ الْمُنَجِّمُونَ عَنْهُ وَالْكَهَنَةُ بِذَهَابِ مُلْكِنَا عَلَى يَدِهِ فَيُثَبِّطُهُمْ ذَلِكَ عَنْ طَاعَتِنَا وَيَدْعُوهُمْ إِلَى اتِّبَاعِهِ وَإِنَّهُ مُنْتَظَرٌ بَعْدُ وَشَدَّدَ سَنُقَتِّلُ وَيُقَتِّلُونَ الْكُوفِيُّونَ وَالْعَرَبِيَّانِ وَخَفَّفَهُمَا نَافِعٌ وَخَفَّفَ ابْنُ كَثِيرٍ سَنُقَتِّلُ وَشَدَّدَ وَيُقَتِّلُونَ.

قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا لَمَّا تَوَعَّدَهُمْ فِرْعَوْنُ جَزِعُوا وَتَضَجَّرُوا فَسَكَّنَهُمْ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَأَمَرَهُمْ بِالِاسْتِعَانَةِ بِاللَّهِ وَبِالصَّبْرِ وَسَلَّاهُمْ وَوَعَدَهُمُ النَّصْرَ وَذَكَّرَهُمْ مَا وَعَدَ اللَّهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ إِهْلَاكِ الْقِبْطِ وَتَوْرِيثِهِمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ.

إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ. أَيْ أَرْضُ مِصْرَ وَأَلْ فِيهِ لِلْعَهْدِ وَهِيَ الْأَرْضَ الَّتِي كَانُوا فِيهَا، وَقِيلَ: الْأَرْضَ أَرْضُ الدُّنْيَا فَهِيَ عَلَى الْعُمُومِ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ أَرْضُ الْجَنَّةِ لِقَوْلِهِ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ «٢» وَتَعَدَّى اسْتَعِينُوا هُنَا بِالْبَاءِ وَفِي وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ «٣» بِنَفْسِهِ وَجَاءَ اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْتَعِينُكَ.

وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ قِيلَ: النَّصْرُ وَالظَّفَرُ، وَقِيلَ: الدَّارُ الْآخِرَةُ، وَقِيلَ: السَّعَادَةُ وَالشَّهَادَةُ، وَقِيلَ: الْجَنَّةُ، وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: الْخَاتِمَةُ الْمَحْمُودَةُ لِلْمُتَّقِينَ منهم ومن القبط


(١) سورة النازعات: ٧٩/ ٢٤.
(٢) سورة الزمر: ٣٩/ ٧٤.
(٣) سورة الفاتحة: ١/ ٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>