للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالَ عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ هَذَا رَجَاءٌ مِنْ نَبِيِّ اللَّهِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَمِثْلُهُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ يُقَوِّي قُلُوبَ أَتْبَاعِهِمْ فَيَصْبِرُونَ إِلَى وُقُوعِ مُتَعَلِّقِ الرَّجَاءِ وَلَا تَنَافِيَ بَيْنَ هَذَا الرَّجَاءِ وَبَيْنَ قَوْلِهِ وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ مِنْ حَيْثُ إِنَّ الرَّجَاءَ غَيْرُ مَقْطُوعٍ بِحُصُولِ مُتَعَلِّقِهِ وَالْإِخْبَارُ بِأَنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ وَاقِعٌ لَا مَحَالَةَ لِأَنَّ الْعَاقِبَةَ إِنْ كَانَتْ فِي الْآخِرَةِ فَظَاهِرٌ جِدًّا عَدَمُ التَّنَافِي وَإِنْ كَانَتْ فِي الدُّنْيَا فَلَيْسَ فِيهَا تَصْرِيحٌ بِعَاقِبَةِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ الْمَخْصُوصِينَ فَسَلَكَ مُوسَى طَرِيقَ الْأَدَبِ مَعَ اللَّهِ وَسَاقَ الْكَلَامَ مَسَاقَ الرَّجَاءِ، وَقَالَ التِّبْرِيزِيُّ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَدْ أَوْحَى بِذَلِكَ إِلَى مُوسَى فَعَسَى لِلتَّحْقِيقِ أَوْ لَمْ يُوحِ فَيَكُونُ عَلَى التَّرَجِّي مِنْهُ، قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: تَصْرِيحٌ بِمَا رَمَزَ إِلَيْهِ مِنَ الْبِشَارَةِ قَبْلُ وَكَشْفٌ عَنْهُ وَهُوَ إِهْلَاكُ فِرْعَوْنَ وَاسْتِخْلَافُهُمْ بَعْدَهُ فِي أَرْضِ مِصْرَ، وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ وَاسْتِعْطَافُ مُوسَى لَهُمْ بِقَوْلِهِ عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَوَعْدُهُ لَهُمْ بِالِاسْتِخْلَافِ فِي الْأَرْضِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَسْتَدْعِي نُفُوسًا نَافِرَةً وَيُقَوِّي هَذَا الظَّنَّ فِي جِهَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَسُلُوكُهُمْ هَذَا السَّبِيلَ فِي غَيْرِ قِصَّةٍ وَالْأَرْضِ هُنَا أَرْضُ مِصْرَ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَدْ حَقَّقَ اللَّهُ هَذَا الرَّجَاءِ بِوُقُوعِ مُتَعَلِّقِهِ فَأَغْرَقَ فِرْعَوْنَ وَمَلَّكَهُمْ مِصْرَ وَمَاتَ دَاوُدُ وَسُلَيْمَانُ، وَقِيلَ: أَرْضُ الشَّامِ فَقَدْ فَتَحُوا بَيْتَ الْمَقْدِسِ مَعَ يُوشَعَ وَمَلَكُوا الشَّامَ وَمَاتَ دَاوُدُ وَسُلَيْمَانَ وَمَعْنَى فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ أَيْ فِي اسْتِخْلَافِكُمْ مِنَ الْإِصْلَاحِ وَالْإِفْسَادِ وَهِيَ جُمْلَةٌ تَجْرِي مَجْرَى الْبَعْثِ وَالتَّحْرِيضِ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى

وَفِي الْحَدِيثِ «إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ وَإِنَّ اللَّهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا فَنَاظِرٌ كَيْفَ تَعْمَلُونَ»

، وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: فَيَرَى الْكَائِنَ مِنْكُمْ مِنَ الْعَمَلِ حَسَنِهِ وَقَبِيحِهِ وَشُكْرِ النِّعْمَةِ وَكُفْرَانِهَا لِيُجَازِيَكُمْ عَلَى حَسَبِ مَا يُوجَدُ مِنْكُمْ انْتَهَى، وَفِيهِ تَلْوِيحُ الِاعْتِزَالِ وَدَخَلَ عَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ وَهُوَ أَحَدُ كِبَارِ الْمُعْتَزِلَةِ وَزُهَّادِهِمْ عَلَى الْمَنْصُورِ ثَانِي خُلَفَاءِ بَنِي الْعَبَّاسِ قَبْلَ الْخِلَافَةِ وَعَلَى مَائِدَتِهِ رَغِيفٌ أَوْ رَغِيفَانِ وطلب زيادة لعمر وفلم توجد فقرأ عمر وهذه الْآيَةَ، ثُمَّ دَخَلَ عَلَيْهِ بَعْدَ مَا اسْتَخْلَفَ فَذَكَرَ لَهُ ذَلِكَ وَقَالَ قَدْ بَقِيَ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ.

وَلَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ الْأَخْذُ التَّنَاوُلُ بِالْيَدِ وَمَعْنَاهُ هُنَا الِابْتِلَاءُ فِي الْمُدَّةِ الَّتِي كَانَ أَقَامَ بَيْنَهُمْ مُوسَى يَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّهِ وَمَعْنَى بِالسِّنِينَ بِالْقُحُوطِ وَالْجُدُوبِ وَالسَّنَةُ تُطْلَقُ عَلَى الْحَوْلِ وَتُطْلَقُ عَلَى الْجَدْبِ ضِدُّ الْخِصْبِ وَبِهَذَا الْمَعْنَى تَكُونُ مِنَ الْأَسْمَاءِ الْغَالِبَةِ كَالنَّجْمِ وَالدَّبَرَانِ وَقَدِ اشْتَقُّوا مِنْهَا بِهَذَا الْمَعْنَى فَقَالُوا أَسْنَتَ الْقَوْمُ إِذَا أَجْدَبُوا وَمِنْهُ قَوْلُهُ:

وَرِجَالُ مكة مسنتوون عِجَافُ

<<  <  ج: ص:  >  >>