هذا التقدير وهم بَالِغُوهُ جُمْلَةٌ فِي مَوْضِعِ الصِّفَةِ لِأَجَلٍ وَهِيَ أَفْخَمُ مِنَ الْوَصْفِ بِالْمُفْرَدِ لِتَكَرُّرِ الضَّمِيرِ فَلَيْسَ فِي حُسْنِ التَّرْكِيبِ كَالْمُفْرَدِ لَوْ قِيلَ فِي غَيْرِ الْقُرْآنِ إِلَى أَجَلٍ بَالِغِيهِ وَمَجِيءُ إِذَا الفجائية جوابا لما مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لَمَّا حَرْفٌ وجوب لوجوب كَمَا يَقُولُ سِيبَوَيْهِ لَا ظَرْفٌ كَمَا زَعَمَ بَعْضُهُمْ لِافْتِقَارِهِ إِلَى عَامِلٍ فِيهِ وَالْكَلَامُ تَامٌّ لَا يَحْتَمِلُ إِضْمَارًا وَلَا يَعْمَلُ مَا بَعْدَ إِذَا الْفُجَائِيَّةِ فِيمَا قَبْلَهَا، وَقَرَأَ أَبُو هَاشِمٍ وَأَبُو حَيْوَةَ يَنْكُثُونَ بِكَسْرِ الْكَافِ.
فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَكانُوا عَنْها غافِلِينَ أَيْ أَحْلَلْنَا بِهِمُ النِّقْمَةَ وَهِيَ ضِدُّ النِّعْمَةِ فَإِنْ كَانَ الِانْتِقَامُ هُوَ الْإِغْرَاقُ فَتَكُونُ الْفَاءُ تَفْسِيرِيَّةً وَذَلِكَ عَلَى رَأْيِ مَنْ أَثْبَتَ هَذَا الْمَعْنَى لِلْفَاءِ وَإِلَّا كَانَ الْمَعْنَى فَأَرَدْنَا الِانْتِقَامَ مِنْهُمْ وَالْبَاءُ فِي بِأَنَّهُمْ سَبَبِيَّةٌ وَالْآيَاتُ هِيَ الْمُعْجِزَاتُ الَّتِي ظَهَرَتْ عَلَى يَدِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَالظَّاهِرُ عَوْدُ الضَّمِيرِ فِي عَنْها إِلَى الْآيَاتِ أَيْ غَفَلُوا عَمَّا تَضَمَّنَتْهُ الْآيَاتُ مِنَ الْهُدَى وَالنَّجَاةِ وَمَا فَكَّرُوا فِيهَا وَتِلْكَ الْغَفْلَةُ هِيَ سَبَبُ التَّكْذِيبِ، وَقِيلَ يَعُودُ الضَّمِيرُ عَلَى النِّقْمَةِ الدَّالِّ عَلَيْهَا فَانْتَقَمْنا أَيْ كَانُوا عَنِ النِّقْمَةِ وَحُلُولِهَا بِهِمْ غَافِلِينَ وَالْغَفْلَةُ فِي الْقَوْلِ الْأَوَّلِ عُنِيَ بِهِ الْإِعْرَاضُ عَنِ الشَّيْءِ لِأَنَّ الْغَفْلَةَ عَنْهُ وَالتَّكْذِيبَ لَا يَجْتَمِعَانِ مِنْ حَيْثُ إِنَّ الْغَفْلَةَ تَسْتَدْعِي عَدَمَ الشُّعُورِ بِالشَّيْءِ وَالتَّكْذِيبُ بِهِ يَسْتَدْعِي مَعْرِفَتَهُ وَلِأَنَّهُ لَوْ أُرِيدَ صِفَةُ الْغَفْلَةِ لَكَانُوا مَعْذُورِينَ لِأَنَّ تِلْكَ لَيْسَتْ بِاخْتِيَارِ الْعَبْدِ.
وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشارِقَ الْأَرْضِ وَمَغارِبَهَا الَّتِي بارَكْنا فِيها لَمَّا قَالَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ كَانَ كَمَا تَرَجَّى مُوسَى فَأَغْرَقَ أَعْدَاءَهُمْ فِي الْيَمِّ وَاسْتَخْلَفَ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الأرض والَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ هُمْ بَنُو إِسْرَائِيلَ كَانَ فِرْعَوْنُ يَسْتَعْبِدُهُمْ وَيَسْتَخْدِمُهُمْ وَالِاسْتِضْعَافُ طَلَبُ الضَّعِيفِ بِالْقَهْرِ كَثُرَ اسْتِعْمَالُهُ حَتَّى قِيلَ اسْتَضْعَفَهُ أَيْ وَجَدَهُ ضعيفا ومَشارِقَ الْأَرْضِ وَمَغارِبَهَا قَالَتْ فِرْقَةٌ: هِيَ الْأَرْضُ كُلُّهَا، قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ لِأَنَّهُ تَعَالَى مَلَّكَهُمْ بِلَادًا كَثِيرَةً وَأَمَّا عَلَى الْحَقِيقَةِ فَإِنَّهُ مَلَّكَ ذَرِّيَّتَهُمْ وَهُوَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ، وَقَالَ الْحَسَنُ أَيْضًا: مَشارِقَ الْأَرْضِ الشَّامُ وَمَغارِبَهَا دِيَارُ مِصْرَ مَلَّكَهُمُ اللَّهُ إِيَّاهَا بِإِهْلَاكِ الْفَرَاعِنَةِ وَالْعَمَالِقَةِ وَقَالَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ قَالَ: وَتَصَرَّفُوا فيها كيف شاؤوا فِي أَطْرَافِهَا وَنَوَاحِيهَا الشَّرْقِيَّةِ وَالْغَرْبِيَّةِ، وَقَالَ الْحَسَنُ أَيْضًا وَقَتَادَةُ وَغَيْرُهُمَا: هِيَ أَرْضُ الشَّامِ، وَفِي كِتَابِ النَّقَّاشِ عَنِ الْحَسَنِ: أَرْضُ مِصْرَ وَالْبَرَكَةُ فِيهَا بِالْمَاءِ وَالشَّجَرِ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَذَيَّلَهُ غَيْرُهُ فَقَالَ بِالْخِصْبِ وَالْأَنْهَارِ وَكَثْرَةِ الْأَشْجَارِ وَطَيِّبِ الثِّمَارِ، وَقِيلَ: الْبَرَكَةُ بِإِقْدَامِ الْأَنْبِيَاءِ وَكَثْرَةِ مَقَامِهِمْ بِهَا وَدَفْنِهِمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute