للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَأَتَوْا عَلى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلى أَصْنامٍ لَهُمْ قَالَ قَتَادَةُ وَأَبُو عَمْرٍو الْجَوْنِيُّ: هُمْ مِنْ لَخْمٍ وَجُذَامٍ كَانُوا يَسْكُنُونَ الرِّيفَ، وَقِيلَ: كَانُوا نُزُولًا بِالرِّقَّةِ رِقَّةِ مِصْرَ وَهِيَ قَرْيَةٌ بِرِيفِ مِصْرَ تُعْرَفُ بِسَاحِلِ الْبَحْرِ يُتَوَصَّلُ مِنْهَا إِلَى الْفَيُّومِ، وَقِيلَ: هُمُ الْكَنْعَانِيُّونَ الَّذِينَ أُمِرَ مُوسَى بِقِتَالِهِمْ وَمَعْنَى فَأَتَوْا فَمَرُّوا يُقَالُ أَتَتْ عَلَيْهِ سُنُونَ، وَمَعْنَى يَعْكُفُونَ يُقِيمُونَ وَيُوَاظِبُونَ عَلَى عِبَادَةِ أَصْنَامٍ، وَقَرَأَ الْأَخَوَانِ وَأَبُو عَمْرٍو في رِوَايَةِ عَبْدِ الْوَارِثِ بِكَسْرِ الْكَافِ وَبَاقِي السَّبْعَةِ بِضَمِّهَا وَهُمَا فَصِيحَتَانِ وَالْأَصْنَامُ قِيلَ: بَقَرٌ حَقِيقَةً. وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ كَانَتْ تَمَاثِيلَ بَقَرٍ مِنْ حِجَارَةٍ وَعِيدَانٍ وَنَحْوِهِ وَذَلِكَ كَانَ أَوَّلَ فِتْنَةِ الْعِجْلِ.

قالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ الظَّاهِرُ أَنَّ طَلَبَ مِثْلِ هَذَا كُفْرٌ وَارْتِدَادٌ وَعِنَادٌ جَرَوْا فِي ذَلِكَ عَلَى عَادَتِهِمْ فِي تَعَنُّتِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ وَطَلَبِهِمْ مَا لَا يَنْبَغِي وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ كَلَامِهِمْ لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً «١» وَغَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ كُفْرٌ، وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ:

الظَّاهِرُ أَنَّهُمُ اسْتَحْسَنُوا مَا رَأَوْا مِنْ آلِهَةِ أُولَئِكَ الْقَوْمِ فَأَرَادُوا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي شَرْعِ مُوسَى وَفِي جُمْلَةِ مَا يُتَقَرَّبُ بِهِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَإِلَّا فَبَعِيدٌ أَنْ يَقُولُوا لِمُوسَى اجْعَلْ لَنا إِلهاً نُفْرِدُهُ بِالْعِبَادَةِ انْتَهَى

وَفِي الْحَدِيثِ مَرُّوا فِي غَزْوَةِ حُنَيْنٍ عَلَى رَوْحِ سِدْرَةٍ خَضْرَاءَ عَظِيمَةٍ فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ اجْعَلْ لَنَا ذَاتَ أَنْوَاطٍ وَكَانَتْ ذَاتُ أَنْوَاطٍ سَرْحَةً لِبَعْضِ الْمُشْرِكِينَ يُعَلِّقُونَ بِهَا أسحلتهم وَلَهَا يَوْمٌ يَجْتَمِعُونَ إِلَيْهَا فَأَرَادَ قَائِلُ ذَلِكَ أَنْ يَشْرَعَ الرَّسُولُ ذَلِكَ فِي الْإِسْلَامِ وَرَأَى الرَّسُولُ عَلَيْهِ السَّلَامُ ذَلِكَ ذَرِيعَةً إِلَى عِبَادَةِ تِلْكَ السَّرْحَةِ فَأَنْكَرَهُ وَقَالَ «اللَّهُ أَكْبَرُ قُلْتُمْ وَاللَّهِ كَمَا قَالَ بَنُو إِسْرَائِيلَ»

اجْعَلْ لَنا إِلهاً خَالِقًا مُدَبِّرًا لِأَنَّ الَّذِي يَجْعَلُهُ مُوسَى لَا يُمْكِنُ أَنْ يَجْعَلَهُ خَالِقًا لِلْعَالَمِ وَمُدَبِّرًا فَالْأَقْرَبُ أَنَّهُمْ طَلَبُوا أَنْ يُعَيِّنَ لَهُمْ تَمَاثِيلَ وَصُوَرًا يَتَقَرَّبُونَ بِعِبَادَتِهَا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَقَدْ حُكِيَ عَنْ عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ قَوْلُهُمْ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى «٢» وَأَجْمَعَ كُلُّ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ عَلَى أَنَّ عِبَادَةَ غَيْرِ اللَّهِ كُفْرٌ سَوَاءٌ اعْتُقِدَ كَوْنُهُ إِلَهًا لِلْعَالَمِ أَوْ أَنَّ عِبَادَتَهُ تُقَرِّبُ إِلَى اللَّهِ انْتَهَى، وَيَظْهَرُ أَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَصْدُرْ مِنْ جَمِيعِهِمْ فَإِنَّهُ كَانَ فِيهِمُ السَّبْعُونَ الْمُخْتَارُونَ وَمَنْ لَا يَصْدُرُ مِنْهُ هَذَا السُّؤَالُ الْبَاطِلُ لَكِنَّهُ نُسِبَ ذَلِكَ إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ لَمَّا وَقَعَ مِنْ بَعْضِهِمْ عَلَى عَادَةِ الْعَرَبِ فِي ذَلِكَ وما فِي كَما قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ كَافَّةٌ لِلْكَافِ وَلِذَلِكَ وَقَعَتِ الْجُمْلَةُ بَعْدَهَا وَقَالَ غَيْرُهُ مَوْصُولَةٌ حَرْفِيَّةٌ أَيْ كَمَا ثَبَتَ لَهُمْ آلِهَةٌ فَتَكُونُ قَدْ حُذِفَ صِلَتُهَا عَلَى حَدِّ مَا قَالَ ابْنُ مَالِكٍ فِي أَنَّهُ إِذَا حُذِفَتْ صِلَةُ مَا فَلَا بُدَّ مِنْ إِبْقَاءِ مَعْمُولِهَا كَقَوْلِهِمْ لَا أُكَلِّمُكَ مَا إن في السماء نجما أَيْ مَا ثَبَتَ أَنَّ فِي السَّمَاءِ نَجْمًا وَيَكُونُ آلِهَةٌ


(١) سورة البقرة: ٢/ ٥٥.
(٢) سورة الزمر: ٣٩/ ٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>