وَقَالَ أَبُو قِلَابَةَ وَمَالِكٌ وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: كُلُّ صَاحِبِ بِدْعَةٍ أَوْ فِرْيَةٍ ذَلِيلٌ وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِالْآيَةِ.
وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِها وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ السَّيِّئاتِ هِيَ الْكُفْرُ وَالْمَعَاصِي غَيْرَهُ ثُمَّ تابُوا أَيْ رَجَعُوا إِلَى اللَّهِ مِنْ بَعْدِها أَيْ مِنْ بَعْدِ عَمَلِ السَّيِّئَاتِ وَآمَنُوا دَامُوا عَلَى إِيمَانِهِمْ وَأَخْلَصُوا فِيهِ أَوْ تَكُونُ الْوَاوُ حَالِيَّةً أَيْ وَقَدْ آمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا أَيْ مِنْ بَعْدِ عَمَلِ السَّيِّئَاتِ هَذَا هو الظاهر، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ فِي مِنْ بَعْدِها عَائِدًا عَلَى التَّوْبَةِ أَيْ إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِ تَوْبَتِهِمْ فَيَعُودُ عَلَى الْمَصْدَرِ الْمَفْهُومِ مِنْ قوله ثُمَّ تابُوا وَهَذَا عِنْدِي أَوْلَى لِأَنَّكَ إِذَا جَعَلْتَ الضَّمِيرَ عَائِدًا عَلَى السَّيِّئاتِ، احْتَجْتَ إِلَى حَذْفِ مُضَافٍ وَحَذْفِ مَعْطُوفٍ إِذْ يَصِيرُ التَّقْدِيرُ مِنْ بَعْدِ عَمَلِ السَّيِّئَاتِ وَالتَّوْبَةِ مِنْهَا وَخَبَرُ الَّذِينَ قَوْلُهُ إِنَّ رَبَّكَ وَمَا بَعْدَهُ وَالرَّابِطُ مَحْذُوفٌ أَيْ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ لَهُمْ. قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: لَغَفُورٌ لَسَتُورٌ عَلَيْهِمْ مَحَّاءٌ لِمَا كَانَ مِنْهُمْ رَحِيمٌ مُنْعِمٌ عَلَيْهِمْ بِالْجَنَّةِ وَهَذَا حُكْمٌ عَامٌّ يَدْخُلُ تَحْتَهُ مُتَّخِذُو الْعِجْلِ وَمَنْ عَدَاهُمْ عَظَّمَ جِنَايَتَهُمْ أوّلا ثُمَّ أَرْدَفَهَا بِعِظَمِ رَحْمَتِهِ لِيُعْلَمَ أَنَّ الذُّنُوبَ وَإِنْ جَلَّتْ وَإِنْ عَظُمَتْ فَإِنَّ عَفْوَهُ تَعَالَى وَكَرَمَهُ أَعْظَمُ وَأَجَلُّ وَلَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ حِفْظِ الشَّرِيطَةِ وَهِيَ وُجُوبُ التَّوْبَةِ وَالْإِنَابَةِ وَمَا وَرَاءَهُ طَمَعٌ فَارِغٌ وَأَشْعَبِيَّةٌ بَارِدَةٌ لَا يَلْتَفِتُ إِلَيْهَا حَازِمٌ انْتَهَى، وَهُوَ عَلَى طَرِيقَةِ الِاعْتِزَالِ.
وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْواحَ وَفِي نُسْخَتِها هُدىً وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ. سُكُوتُ غَضَبِهِ كَانَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِسَبَبِ اعْتِذَارِ أَخِيهِ وَكَوْنِهِ لَمْ يُقَصِّرْ فِي نَهْيِ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْ عِبَادَةِ الْعِجْلِ وَوَعْدِ اللَّهِ إِيَّاهُ بِالِانْتِقَامِ مِنْهُمْ وَسُكُوتُ الْغَضَبِ اسْتِعَارَةٌ شَبَّهَ خُمُودَ الْغَضَبِ بِانْقِطَاعِ كَلَامِ الْمُتَكَلِّمِ وَهُوَ سُكُوتُهُ. قَالَ يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ: تَقُولُ الْعَرَبُ سَالَ الْوَادِي ثُمَّ سَكَتَ، وَقَالَ الزَّجَّاجُ: مَصْدَرُ سَكَتَ الغضب سكت وَمَصْدَرُ سَكَتَ الرَّجُلُ سُكُوتٌ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ فِعْلٌ عَلَى حَدِّهِ وَلَيْسَ مِنْ سُكُوتِ النَّاسِ، وَقِيلَ هُوَ مِنْ بَابِ الْقَلْبِ أَيْ وَلَمَّا سَكَتَ مُوسَى عَنِ الْغَضَبِ نَحْوَ أَدْخَلْتُ فِيَّ فِي الْحَجَرِ، وَأَدْخَلْتُ الْقَلَنْسُوَةَ فِي رَأْسِي انْتَهَى، وَلَا يَنْبَغِي هَذَا لِأَنَّهُ مِنَ الْقَلْبِ وَهُوَ لَمْ يَقَعْ إِلَّا فِي قَلِيلٍ مِنَ الْكَلَامِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَنْقَاسُ، وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ وَهَذَا مَثَلٌ كَأَنَّ الْغَضَبَ كَانَ يُغْرِيهِ عَلَى مَا فَعَلَ وَيَقُولُ لَهُ قُلْ لِقَوْمِكَ كَذَا وَأَلْقِ الْأَلْوَاحَ وَخُذْ بِرَأْسِ أَخِيكَ إِلَيْكَ فَتَرَكَ النُّطْقَ بِذَلِكَ وَتَرَكَ الْإِغْرَاءَ وَلَمْ يَسْتَحْسِنْ هَذِهِ الْكَلِمَةَ وَلَمْ يَسْتَفْصِحْهَا كُلُّ ذِي طَبْعٍ سَلِيمٍ وَذَوْقٍ صَحِيحٍ إِلَّا لِذَلِكَ وَلِأَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ شُعَبِ الْبَلَاغَةِ، وَإِلَّا فَمَا لِقِرَاءَةِ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ وَلَمَّا سَكَنَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ لَا تَجِدُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute