للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنَ اللَّهِ أَوْجَبَتِ الرَّجْفَةَ وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ رَدٌّ عَلَى الْمُعْتَزِلَةِ، وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ أَيْ مِحْنَتُكَ وَبَلَاؤُكَ حِينَ كَلَّمَتْنِي وَسَمَّعْتَ كَلَامَكَ فَاسْتَدَلُّوا بِالْكَلَامِ عَلَى الرُّؤْيَةِ اسْتِدْلَالًا فَاسِدًا حَتَّى افْتُتِنُوا وَضَلُّوا تُضِلُّ بِهَا الْجَاهِلِينَ غَيْرَ الثَّابِتِينَ فِي مَعْرِفَتِكَ وَتَهْدِي الْعَالِمِينَ الثَّابِتِينَ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ، وَجَعَلَ ذَلِكَ إِضْلَالًا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى وَهُدًى مِنْهُ لِأَنَّ مِحْنَتَهُ إِنَّمَا كَانَتْ سَبَبًا لِأَنْ ضَلُّوا وَاهْتَدَوْا فَكَأَنَّهُ أَضَلَّهُمْ بِهَا وَهُدَاهُمْ عَلَى الِاتِّسَاعِ فِي الْكَلَامِ انْتَهَى وَهُوَ عَلَى طَرِيقَةِ الْمُعْتَزِلَةِ فِي نَفْيِهِمُ الْإِضْلَالَ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى.

أَنْتَ وَلِيُّنا الْقَائِمُ بِأَمْرِنَا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغافِرِينَ. سَأَلَ الْغُفْرَانَ لَهُ وَلَهُمْ وَالرَّحْمَةَ لَمَّا كَانَ قَدِ انْدَرَجَ قَوْمُهُ فِي قَوْلِهِ أَنْتَ وَلِيُّنا وَفِي سُؤَالِ الْمَغْفِرَةِ وَالرَّحْمَةِ لَهُ وَلَهُمْ وَكَانَ قَوْمُهُ أَصْحَابَ ذُنُوبٍ أَكَّدَ اسْتِعْطَافَ رَبِّهِ تَعَالَى فِي غُفْرَانِ تِلْكَ الذُّنُوبِ فَأَكَّدَ ذَلِكَ وَنَبَّهَ بِقَوْلِهِ وَأَنْتَ خَيْرُ الْغافِرِينَ وَلَمَّا كَانَ هُوَ وَأَخُوهُ هَارُونُ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنَ الْمَعْصُومِينَ مِنَ الذُّنُوبِ فَحِينَ سَأَلَ الْمَغْفِرَةَ لَهُ وَلِأَخِيهِ وَسَأَلَ الرَّحْمَةَ لَمْ يُؤَكِّدِ الرَّحْمَةَ بَلْ قَالَ: وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فَنَبَّهَ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ: وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ وَكَانَ تَعَالَى خَيْرَ الْغَافِرِينَ لِأَنَّ غَيْرَهُ يَتَجَاوَزُ عَنِ الذَّنْبِ طَلَبًا لِلثَّنَاءِ أَوِ الثَّوَابِ أَوْ دَفْعًا لِلصِّفَةِ الْخَسِيسَةِ عَنِ الْقَلْبِ وَهِيَ صِفَةُ الْحِقْدِ وَالْبَارِي سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مُنَزَّهٌ عَنْ أَنْ يَكُونَ غُفْرَانُهُ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ.

وَاكْتُبْ لَنا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ. أَيْ وَأَثْبِتْ لَنَا عَاقِبَةً وَحَيَاةً طَيِّبَةً أَوْ عَمَلًا صَالِحًا يَسْتَعْقِبُ ثَنَاءً حَسَنًا فِي الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ الْجَنَّةَ وَالرُّؤْيَةَ وَالثَّوَابَ عَلَى حَسَنَةِ الدُّنْيَا وَالْأَجْوَدُ حَمْلُ الْحَسَنَةِ عَلَى مَا يَحْسُنُ مِنْ نِعْمَةٍ وَطَاعَةٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَحَسَنَةُ الْآخِرَةِ الْجَنَّةُ لَا حَسَنَةَ دُونَهَا وإِنَّا هُدْنا تَعْلِيلٌ لِطَلَبِ الْغُفْرَانِ وَالْحَسَنَةِ وَكَتْبُ الْحَسَنَةِ أَيْ تُبْنَا إِلَيْكَ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وابن جبير وَأَبُو الْعَالِيَةِ وَقَتَادَةُ وَالضَّحَّاكُ وَالسُّدِّيُّ: مِنْ هَادَ يَهُودُ، وَقَالَ ابْنُ بَحْرٍ: تَقَرَّبْنَا بِالتَّوْبَةِ، وَقِيلَ: مِلْنَا. وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:

قَدْ عَلِمَتْ سَلْمَى وَجَارَاتُهَا ... أَنِّي مِنَ الله لها هد

أَيْ مَائِلٌ، وَقَرَأَ زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ وَأَبُو وَجْزَةَ هُدْنا بِكَسْرِ الْهَاءِ مِنْ هَادَ يَهِيدُ إِذَا حَرَّكَ أَيْ حَرَّكْنَا أَنْفُسَنَا وَجَذَبْنَاهَا لِطَاعَتِكَ فَيَكُونُ الضَّمِيرُ فَاعِلًا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَفْعُولًا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ أَيْ حَرَّكْنَا إِلَيْكَ وَأَمَلْنَا وَالضَّمُّ فِي هُدْنا يَحْتَمِلُهُمَا وَتَضَمَّنَتْ هَذِهِ الْجُمَلُ كَوْنَهُ تَعَالَى هُوَ رَبَّهُمْ وَوَلِيَّهُمْ وَأَنَّهُمْ تَائِبُونَ عَبِيدٌ لَهُ خَاضِعُونَ فَنَاسَبَ عِزَّ الرُّبُوبِيَّةِ أَنْ يَسْتَعْطِفَ لِلْعَبِيدِ التَّائِبِينَ الْخَاضِعِينَ بِسُؤَالِ الْمَغْفِرَةِ وَالرَّحْمَةِ وَالْكَتْبِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>