الْأَشْيَاءِ الطَّيِّبَةِ كَالشُّحُومِ وَغَيْرِهَا أَوْ مَا طَابَ فِي الشَّرِيعَةِ وَاللَّحْمُ مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ مِنَ الذَّبَائِحِ وَمَا خَلَا كَسْبُهُ مِنَ السُّحْتِ انْتَهَى، وَقِيلَ: مَا كَانَتِ الْعَرَبُ تُحَرِّمُهُ مِنَ الْبَحِيرَةِ وَالسَّائِبَةِ وَالْوَصِيلَةِ وَالْحَامِ وَاسْتَبْعَدَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الرَّازِيُّ قَوْلَ مَنْ قَالَ: إِنَّهَا الْمُحَلَّلَاتُ لِتَقْدِيرِهِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الْمُحَلَّلَاتِ قَالَ وَهَذَا مَحْضُ التَّكْذِيبِ، وَلِخُرُوجِ الْكَلَامِ عَنِ الْفَائِدَةِ لِأَنَّا لَا نَدْرِي مَا أُحِلَّ لَنَا وَكَمْ هُوَ قَالَ: بَلِ الْوَاجِبُ أَنْ يُرَادَ الْمُسْتَطَابَةُ بِحَسَبَ الطَّبْعِ لِأَنَّ تَنَاوُلَهَا يُفِيدُ اللَّذَّةَ وَالْأَصْلُ فِي الْمَنَافِعِ الْحِلُّ فَدَلَّتِ الْآيَةُ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَا تستطيعه النَّفْسُ وَيَسْتَلِذُّهُ الطَّبْعُ حَلَالٌ إِلَّا مَا خَرَجَ بِدَلِيلٍ مُنْفَصِلٍ.
وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ قِيلَ: الْمُحَرَّمَاتُ، وَقِيلَ: مَا تَسْتَخْبِثُهُ الْعَرَبُ كَالْعَقْرَبِ وَالْحَيَّةِ وَالْحَشَرَاتِ، وَقِيلَ: الدَّمُ وَالْمَيْتَةُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَا فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ إِلَى قَوْلِهِ ذلِكُمْ فِسْقٌ «١» .
وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ. قَرَأَ طَلْحَةُ وَيُذْهِبُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَتَقَدَّمَ تَفْسِيرُ الْإِصْرِ فِي آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، وَفَسَّرَهُ هُنَا قَتَادَةُ وَابْنُ جُبَيْرٍ وَمُجَاهِدٌ وَالضَّحَّاكُ وَالْحَسَنُ وَغَيْرُهُمْ بِالثِّقْلِ، وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ: آصَارَهُمْ جَمْعُ إِصْرٍ، وقرىء أُصْرَهُمْ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَبِضَمِّهَا فَمَنْ جَمَعَ فَبِاعْتِبَارِ مُتَعَلِّقَاتِ الْإِصْرِ إِذْ هِيَ كَثِيرَةٌ وَمَنْ وَحَّدَ فَلِأَنَّهُ اسْمُ جِنْسٍ، وَالْأَغْلالَ مِثْلَ لَمَّا كُلِّفُوا مِنَ الْأُمُورِ الصَّعْبَةِ كَقَطْعِ مَوْضِعِ النَّجَاسَةِ مِنَ الْجِلْدِ وَالثَّوْبِ وَإِحْرَاقِ الْغَنَائِمِ وَالْقِصَاصِ حَتْمًا مِنَ الْقَاتِلِ عَمْدًا كَانَ أَوْ خَطَأً وَتَرْكِ الِاشْتِغَالِ يَوْمَ السَّبْتِ وَتَحْرِيمِ الْعُرُوقِ فِي اللَّحْمِ وَعَنْ عَطَاءٍ: أَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانُوا إِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ لَبِسُوا الْمُسُوحَ وَغَلَّوْا أَيْدِيَهُمْ إِلَى أَعْنَاقِهِمْ وَرُبَّمَا ثَقَبَ الرَّجُلُ تَرْقُوَتَهُ وَجَعَلَ فِيهَا طَرْفَ السِّلْسِلَةِ وَأَوْثَقَهَا إِلَى السَّارِيَةِ يَحْبِسُ نَفْسَهُ عَلَى الْعِبَادَةِ،
وَرُوِيَ أَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ رَأَى يَوْمَ السَّبْتِ رَجُلًا يَحْمِلُ قَصَبًا فَضَرَبَ عُنُقَهُ
وَهَذَا الْمَثَلُ كَمَا قَالُوا جَعَلْتُ هَذَا طَوْقًا فِي عُنُقِكَ وَقَالُوا طَوَّقَهَا طَوْقَ الْحَمَامَةِ، وَقَالَ الْهُذَلِيُّ:
وَلَيْسَ كَهَذَا الدَّارُ يَا أُمَّ مالك ... ولكن أحاطب بِالرِّقَابِ السَّلَاسِلُ
فَصَارَ الْفَتَى كَالْكَهْلِ لَيْسَ بِقَابِلٍ ... سِوَى الْعَدْلِ شَيْئًا وَاسْتَرَاحَ الْعَوَاذِلُ
وَلَيْسَ ثَمَّ سَلَاسِلُ وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنَّ الْإِسْلَامَ أَلْزَمَهُ أُمُورًا لَمْ يَكُنْ مُلْتَزِمًا لَهَا قَبْلَ ذَلِكَ كَمَا
(١) سورة المائدة: ٥/ ٣.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute