أَنْ تَكُونَ هَذِهِ جُمَلًا مُسْتَقِلَّةً مِنْ حَيْثُ الْإِعْرَابِ وَإِنْ كَانَتْ مُتَعَلِّقًا بَعْضُهَا بِبَعْضٍ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ بَدَلٌ مِنَ الصِّلَةِ الَّتِي هِيَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكَذَلِكَ يُحيِي وَيُمِيتُ وَفِي لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ بَيَانٌ لِلْجُمْلَةِ قَبْلَهَا لِأَنَّ مَنْ مَلَكَ الْعَالَمَ كَانَ هُوَ الْإِلَهُ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَفِي يُحيِي وَيُمِيتُ بَيَانٌ لِاخْتِصَاصِهِ بِالْإِلَهِيَّةِ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْإِحْيَاءِ وَالْإِمَاتَةِ غَيْرُهُ انْتَهَى، وَإِبْدَالُ الْجُمَلِ مِنَ الْجُمَلِ غَيْرِ الْمُشْتَرِكَةِ فِي عَامِلٍ لَا نَعْرِفُهُ، وَقَالَ الْحَوْفِيُّ: يُحيِي وَيُمِيتُ فِي مَوْضِعِ الْخَبَرِ لِأَنَّ لَا إِلهَ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ بِالِابْتِدَاءِ وإِلَّا هُوَ بَدَلٌ عَلَى الْمَوْضِعِ قَالَ: وَالْجُمْلَةُ أَيْضًا فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى انْتَهَى، يَعْنِي مِنْ ضَمِيرِ اسْمِ اللَّهِ وَهَذَا إِعْرَابٌ مُتَكَلَّفٌ.
فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِماتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ.
لَمَّا ذَكَرَ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ أَمَرَهُمْ بِالْإِيمَانِ بالله وبه وعدل عَنْ ضَمِيرِ الْمُتَكَلِّمِ إِلَى الظَّاهِرِ وَهُوَ الِالْتِفَاتُ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنَ الْبَلَاغَةِ بِأَنَّهُ هُوَ النَّبِيُّ السَّابِقُ ذِكْرُهُ فِي قَوْلِهِ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ وَأَنَّهُ هُوَ الْمَأْمُورُ بِاتِّبَاعِهِ الْمَوْجُودُ بِالْأَوْصَافِ السَّابِقَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ كَلِمَاتِهِ هِيَ الْكُتُبُ الْإِلَهِيَّةُ الَّتِي أُنْزِلَتْ عَلَى مَنْ تَقَدَّمَهُ وَعَلَيْهِ وَلَمَّا كَانَ الْإِيمَانُ بِاللَّهِ هُوَ الْأَصْلُ يَتَفَرَّعُ عَنْهُ الْإِيمَانُ بِالرَّسُولِ وَالنَّبِيِّ بَدَأَ بِهِ ثُمَّ أَتْبَعَهُ بِالْإِيمَانِ بِالرَّسُولِ ثُمَّ أَتْبَعَ ذَلِكَ بِالْإِشَارَةِ إِلَى الْمُعْجِزِ الدَّالِّ عَلَى نُبُوَّتِهِ وَهُوَ كَوْنُهُ أُمِّيًّا وَظَهَرَ عَنْهُ مِنَ الْمُعْجِزَاتِ فِي ذَاتِهِ مَا ظَهَرَ مِنَ الْقُرْآنِ الْجَامِعِ لِعُلُومِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ مَعَ نَشْأَتِهِ فِي بَلَدٍ عَارٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ لَمْ يَقْرَأْ كِتَابًا وَلَمْ يَخُطَّ وَلَمْ يَصْحَبْ عَالِمًا وَلَا غَابَ عَنْ مَكَّةَ غَيْبَةً تَقْتَضِي تَعَلُّمًا. وَقِيلَ: وكَلِماتِهِ الْمُعْجِزَاتِ الَّتِي ظَهَرَتْ مِنْ خَارِجِ ذَاتِهِ مِثْلَ انْشِقَاقِ الْقَمَرِ ونبع الْمَاءِ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ وَهِيَ تُسَمَّى بِكَلِمَاتِ اللَّهِ لَمَّا كَانَتْ أُمُورًا خَارِقَةً غَرِيبَةً كَمَا سُمِّيَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا كَانَ حُدُوثُهُ أَمْرًا غَرِيبًا خَارِقًا كَلِمَةً، وَقَرَأَ مُجَاهِدٌ وَعِيسَى: وَكَلِمَةٍ وَحَّدَ وَأَرَادَ بِهِ الْجَمْعَ نَحْوُ أَصْدَقُ كَلِمَةٍ قَالَتْهَا الْعَرَبُ قَوْلُ لَبِيدٍ وَقَدْ يَقُولُونَ لِلْقَصِيدَةِ كَلِمَةٌ وَكَلِمَةُ فُلَانٍ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَالسُّدِّيُّ: الْمُرَادُ بِكَلِمَاتِهِ وَكَلِمَتِهِ أَيْ بِعِيسَى لِقَوْلِهِ: وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ «١» ، وَقِيلَ: كَلِمَةُ كُنِ الَّتِي تَكَوَّنَ بِهَا عِيسَى وَسَائِرُ الْمَوْجُودَاتِ، وَقَرَأَ الْأَعْمَشُ: الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَآيَاتِهِ بَدَلَ كَلِمَاتِهِ وَلَمَّا أُمِرُوا بِالْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَذَلِكَ هُوَ الِاعْتِقَادُ أُمِرُوا بِالِاتِّبَاعِ لَهُ فِيمَا جَاءَ بِهِ وَهُوَ لَفْظٌ يُدْخَلُ تَحْتَهُ جَمِيعُ الْتِزَامَاتِ الشَّرِيعَةِ وَعَلَّقَ رَجَاءَ الهداية باتباعه.
(١) سورة النساء: ٤/ ٩٠.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute