وَقَطَّعْنَاهُمْ أَسْبَاطًا أُمَمًا اثْنَتَيْ عَشْرَةَ وَهَذِهِ كُلُّهَا تَقَادِيرُ مُتَكَلِّفَةٌ وَالْأَجْرَى عَلَى قَوَاعِدِ الْعَرَبِ الْقَوْلُ الَّذِي بَدَأْنَا بِهِ.
وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى إِذِ اسْتَسْقاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ وَظَلَّلْنا عَلَيْهِمُ الْغَمامَ وَأَنْزَلْنا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ مَا رَزَقْناكُمْ وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ. تَقَدَّمَ تفسير ننظير هَذِهِ الْجُمَلِ فِي الْبَقَرَةِ وَانْبَجَسَتْ: إِنْ كَانَ مَعْنَاهُ مَا قَالَ أَبُو عَمْرِو بْنُ الْعَلَاءِ فَقِيلَ: كَانَ نظير عَلَى كُلِّ مَوْضِعٍ مِنَ الْحَجَرِ فَضَرَبَهُ مُوسَى مِثْلَ ثَدْيِ الْمَرْأَةِ فَيَعْرَقُ أَوَّلًا ثُمَّ يَسِيلُ وَإِنْ كَانَ مرادفا لا نفجرت فَلَا فَرْقَ، وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: هُنَا الْأُنَاسُ اسْمُ جَمْعٍ غَيْرِ تَكْسِيرٍ نَحْوَ رُخَاءٍ وَثُنَاءٍ وَثُؤَامٍ وَأَخَوَاتٍ لَهَا وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ الْأَصْلَ الْكَسْرُ وَالتَّكْسِيرُ وَالضَّمَّةُ بَدَلٌ مِنَ الْكَسْرِ كَمَا أُبْدِلَتْ فِي نَحْوِ سُكَارَى وَغُيَارَى مِنَ الْفَتْحَةِ انْتَهَى وَلَا يَجُوزُ مَا قَالَ لِوَجْهَيْنِ، أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَمْ ينطلق بِإِنَاسٍ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ فَيَكُونَ جَمْعَ تَكْسِيرٍ حَتَّى تَكُونَ الضَّمَّةُ بَدَلًا مِنَ الْكَسْرَةِ بِخِلَافِ سُكَارَى وَغُيَارَى فَإِنَّ الْقِيَاسَ فِيهِ فَعَالَى بِفَتْحِ فَاءِ الْكَلِمَةِ وَهُوَ مَسْمُوعٌ فِيهِمَا، (وَالثَّانِي) : أَنَّ سُكَارَى وَغُيَارَى وَعُجَالَى وَمَا وَرَدَ مِنْ نَحْوِهَا لَيْسَتِ الضَّمَّةُ فِيهِ بَدَلًا مِنَ الْفَتْحَةِ بَلْ نَصَّ سِيبَوَيْهِ فِي كِتَابِهِ عَلَى أَنَّهُ جَمْعُ تَكْسِيرِ أَصْلٍ كَمَا أَنَّ فُعَالَى جَمْعُ تَكْسِيرِ أَصْلٍ وَإِنْ كَانَ لَا يَنْقَاسُ الضَّمُّ كَمَا يَنْقَاسُ الْفَتْحُ، قَالَ سِيبَوَيْهِ فِي حَدِّ تكسير الصفات: وقد يكسرون بَعْضَ هَذَا عَلَى فُعَالَى، وَذَلِكَ قَوْلُ بَعْضِهِمْ سُكَارَى وَعُجَالَى، وَقَالَ سِيبَوَيْهِ فِي الْأَبْنِيَةِ أَيْضًا: وَيَكُونُ فُعَالَى فِي الِاسْمِ نَحْوَ حُبَارَى وَسُمَانَى وَلُبَادَى وَلَا يَكُونُ وَصْفًا إِلَّا أَنْ يُكَسَّرَ عَلَيْهِ الواحد للجمع نحو عُجَالَى وَكُسَالَى وَسُمَانَى فَهَذَانِ نَصَّانِ مِنْ سِيبَوَيْهِ عَلَى أَنَّهُ جَمْعُ تَكْسِيرٍ وَإِذَا كَانَ جَمْعَ تَكْسِيرٍ أَصْلًا لم يسغ أن يدعى أَنَّ أَصْلَهُ فُعَالَى وَأَنَّهُ أُبْدِلَتِ الْحَرَكَةُ فِيهِ وَذَهَبَ الْمُبَرِّدُ إِلَى أَنَّهُ اسْمٌ جَامِعٌ أَعْنِي فُعَالَى بِضَمِّ الْفَاءِ وَلَيْسَ بِجَمْعِ تَكْسِيرٍ فَالزَّمَخْشَرِيُّ لَمْ يَذْهَبْ إِلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ سِيبَوَيْهِ وَلَا إِلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْمُبَرِّدُ لِأَنَّهُ عِنْدَ الْمُبَرِّدِ اسْمُ جَمْعٍ فَالضَّمَّةُ فِي فَائِهِ أَصْلٌ لَيْسَتْ بَدَلًا مِنَ الْفَتْحَةِ بَلْ أَحْدَثَ قَوْلًا ثَالِثًا. وَقَرَأَ عِيسَى الْهَمْدَانِيُّ مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْتُكُمْ مُوَحِّدًا لِلضَّمِيرِ.
وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئاتِكُمْ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَظْلِمُونَ تَقَدَّمَتْ هَذِهِ الْقِصَّةُ وَتَفْسِيرُهَا فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute