وَكَسْرُ فَتْحَةِ هَمْزَتِهَا لُغَةُ سُلَيْمٍ وَهِيَ عِنْدِي حَرْفٌ بَسِيطٌ لَا مُرَكَّبٌ وَجَامِدٌ لَا مُشْتَقٌّ وَذَكَرَ صَاحِبُ كِتَابِ اللَّوَامِحِ أَنَّ أَيَّانَ فِي الْأَصْلِ كَانَ أَيَّ أَوَانٍ فَلَمَّا كَثُرَ دَوْرُهُ حُذِفَتِ الْهَمْزَةُ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ وَلَا عِوَضٍ وَقُلِبَتِ الْوَاوُ يَاءً فَاجْتَمَعَتْ ثَلَاثُ يَاءَاتٍ فَحُذِفَتْ إِحْدَاهَا فَصَارَتْ عَلَى مَا رَأَيْتَ انْتَهَى، وَزَعَمَ أَبُو الْفَتْحِ أَنَّهُ فَعْلَانٌ وَفَعْلَالٌ مُشْتَقٌّ مِنْ أَيٍّ وَمَعْنَاهُ أَيُّ وَقْتٍ وَأَيُّ فِعْلٍ مِنْ أَوَيْتُ إِلَيْهِ لِأَنَّ الْبَعْضَ آوٍ إِلَى الْكُلِّ مُتَسَانِدٌ إِلَيْهِ وَامْتَنَعَ أَنْ يَكُونَ فَعَالًا وَفَعَّالًا مِنْ أَيْنَ لِأَنَّ أَيَّانَ ظَرْفُ زَمَانٍ وَأَيْنَ ظَرْفُ مَكَانٍ فَأَوْجَبَ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ مِنْ لَفْظِ أَيٍّ لِزِيَادَةِ النُّونِ وَلِأَنَّ أَيَّانَ اسْتِفْهَامٌ كَمَا أَنَّ أَيًّا كَذَلِكَ وَالْأَصْلُ عَدَمُ التَّرْكِيبِ وَفِي أَسْمَاءِ الِاسْتِفْهَامِ وَالشَّرْطِ الْجُمُودُ كَمَتَى وَحَيْثُمَا وَأَنَّى وَإِذَا، رَسَا يَرْسُو ثَبَتَ. الْحَفِيُّ الْمُسْتَقْصِي لِلشَّيْءِ الْمُحْتَفِلُ بِهِ الْمُعْتَنِي، وَفُلَانٌ حَفِيٌّ بِي بَارٌّ مُعْتَنٍ. وَقَالَ الشَّاعِرُ:
فَلَمَّا الْتَقَيْنَا بَيَّنَ السَّيْفُ بَيْنَنَا ... لِسَائِلَةٍ عَنَّا حَفِيٌّ سُؤَالُهَا
وَقَالَ آخَرُ:
سُؤَالُ حَفِيٍّ عَنْ أَخِيهِ كَأَنَّهُ ... بِذِكْرَتِهِ وَسْنَانُ أَوْ مُتَوَاسِنُ
وَالْإِحْفَاءُ الِاسْتِقْصَاءُ وَمِنْهُ إِحْفَاءُ الشَّارِبِ وَالْحَافِي أَيْ حَفِيَتْ قَدَمَيْهِ لِلِاسْتِقْصَاءِ فِي السَّيْرِ وَالْحَفَاوَةُ الْبِرُّ وَاللُّطْفُ.
وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ واقِعٌ بِهِمْ أَيْ جَذَبْنَا الْجَبَلَ بِشِدَّةٍ وفَوْقَهُمْ حَالٌ مُقَدَّرَةٌ وَالْعَامِلُ فِيهَا مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ كَائِنًا فَوْقَهُمْ إِذْ كَانَتْ حَالَةُ النَّتْقِ لَمْ تُقَارِنِ الْفَوْقِيَّةَ لَكِنَّهُ صَارَ فَوْقَهُمْ، وَقَالَ الْحَوْفِيُّ وَأَبُو الْبَقَاءِ: فَوْقَهُمْ ظَرْفٌ لِنَتَقْنَا وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ إِلَّا إِنْ ضُمِّنَ نَتَقْنَا مَعْنَى فِعْلٍ يُمْكِنُ أَنْ يَعْمَلَ فِي فَوْقَهُمْ أَيْ رَفَعْنَا بِالنَّتْقِ الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ فَيَكُونُ كَقَوْلِهِ وَرَفَعْنا فَوْقَهُمُ الطُّورَ «١» وَالْجُمْلَةُ مِنْ قَوْلِهِ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ وَالْمَعْنَى كَأَنَّهُ عَلَيْهِمْ ظلّة والظلّة ما أضلل مِنْ سَقِيفَةٍ أَوْ سَحَابٍ وَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ التَّشْبِيهُ عَلَى أَنَّهُ بِظُلَّةٍ مَخْصُوصَةٍ لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ كُلُّ مَا أَظَلُّ يُسَمَّى ظُلَّةً فَالْجَبَلُ فَوْقَهُمْ صَارَ ظُلَّةً وَإِذَا صَارَ ظُلَّةً فَكَيْفَ يُشَبَّهُ بِظُلَّةٍ فَالْمَعْنَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ كَأَنَّهُ حَالَةَ ارْتِفَاعِهِ عَلَيْهِمْ ظُلَّةٌ مِنَ الْغَمَامِ وَهِيَ الظُّلَّةُ الَّتِي لَيْسَتْ تَحْتَهَا عَمَدٌ بَلْ إِمْسَاكُهَا بِالْقُدْرَةِ الْإِلَهِيَّةِ وَإِنْ كَانَتْ أَجْرَامًا بِخِلَافِ الظُّلَّةِ الْأَرْضِيَّةِ فَإِنَّهَا لَا تَكُونُ إِلَّا عَلَى عَمَدٍ فَلَمَّا دَانَتْ هَذِهِ الظُّلْمَةُ الْأَرْضِيَّةُ فَوْقَهُمْ بِلَا عَمَدٍ شُبِّهَتْ بِظُلَّةِ الْغَمَامِ الَّتِي لَيْسَتْ بِلَا عَمَدٍ، وَقِيلَ: اعْتَادَ الْبَشَرُ هَذِهِ الْأَجْرَامَ الْأَرْضِيَّةَ ظُلَلًا إذ
(١) سورة النساء: ٤/ ١٥٤.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute