للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْأَعْضَاءِ النَّافِعَةِ وأَمْ هُنَا مُنْقَطِعَةً فَتُقَدَّرُ بِبَلْ وَالْهَمْزَةِ وَهُوَ إِضْرَابٌ عَلَى مَعْنَى الِانْتِقَالِ لَا عَلَى مَعْنَى الْإِبْطَالِ وَإِنَّمَا هُوَ تَقْدِيرٌ عَلَى نَفْيِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ هَذِهِ الْجُمَلِ وَكَانَ تَرْتِيبُ هَذِهِ الْجُمَلِ هَكَذَا لأنه بدىء بِالْأَهَمِّ ثُمَّ أُتْبِعَ بِمَا هُوَ دُونَهُ إِلَى آخِرِهَا.

وَقَرَأَ الْحَسَنُ وَالْأَعْرَجُ وَنَافِعٌ بِكَسْرِ الطَّاءِ، وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ وَشَيْبَةُ وَنَافِعٌ بِضَمِّهَا وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الرَّازِيُّ: تَعَلَّقَ بَعْضُ الْأَغْمَارِ بِهَذِهِ الْآيَةِ فِي إِثْبَاتِ هَذِهِ الْأَعْضَاءِ لِلَّهِ تَعَالَى فَقَالُوا:

جَعَلَ عَدَمَهَا لِلْأَصْنَامِ دَلِيلًا عَلَى عَدَمِ إِلَهِيَّتِهَا فَلَوْ لَمْ تَكُنْ مَوْجُودَةً لَهُ تَعَالَى لَكَانَ عَدَمُهَا دَلِيلًا عَلَى عَدَمِ الْإِلَهِيَّةِ وَذَلِكَ بَاطِلٌ فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِإِثْبَاتِهَا لَهُ تَعَالَى وَالْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ، أَحَدُهُمَا: أَنْ الْمَقْصُودَ مِنَ الْآيَةِ أَنَّ الْإِنْسَانَ أَفْضَلُ وَأَكْمَلُ حَالًا مِنَ الصَّنَمِ لِأَنَّهُ لَهُ رِجْلٌ مَاشِيَةٌ وَيَدٌ بَاطِشَةٌ وَعَيْنٌ بَاصِرَةٌ وَأُذُنٌ سَامِعَةٌ وَالصَّنَمُ وَإِنْ صُوِّرَتْ لَهُ هَذِهِ الْأَعْضَاءُ بِخِلَافِ الْإِنْسَانِ فَالْإِنْسَانُ أَكْمَلُ وَأَفْضَلُ فَلَا يَشْتَغِلُ بِعِبَادَةِ الْأَخَسِّ الْأَدْوَنِ وَالثَّانِي أَنَّ الْمَقْصُودَ تَقْرِيرُ الْحُجَّةِ الَّتِي ذَكَرَهَا قَبْلُ وهي لا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ يَعْنِي كَيْفَ يَحْسُنُ عِبَادَةُ مَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى النَّفْعِ وَالضَّرِّ ثُمَّ قَرَّرَ أَنَّ هَذِهِ الْأَصْنَامَ انْتَفَتْ عَنْهَا هَذِهِ الْأَعْضَاءُ وَمَنَافِعُهَا فَلَيْسَتْ قَادِرَةً عَلَى نَفْعٍ وَلَا ضُرٍّ فَامْتَنَعَ كَوْنُهَا آلِهَةً أَمَّا اللَّهُ تَعَالَى فَهُوَ وَإِنْ كَانَ مُتَعَالِيًا عَنْ هَذِهِ الأعضاء فهو موصوف وبكمال الْقُدْرَةِ عَلَى النَّفْعِ وَالضَّرِّ وَبِكَمَالِ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ انْتَهَى، وَفِيهِ بَعْضُ تَلْخِيصٍ.

قُلِ ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلا تُنْظِرُونِ لَمَّا أَنْكَرَ تَعَالَى عَلَيْهِمْ عِبَادَةَ الْأَصْنَامِ وَحَقَّرَ شَأْنَهَا وَأَظْهَرَ كَوْنَهَا جَمَادًا عَارِيَةً عَنْ شَيْءٍ مِنَ الْقُدْرَةِ أَمَرَ تَعَالَى نَبِيَّهُ أَنْ يَقُولَ لَهُمْ ذَلِكَ أَيْ لَا مُبَالَاةَ بِكُمْ وَلَا بِشُرَكَائِكُمْ فَاصْنَعُوا ما تشاؤون وَهُوَ أَمْرُ تَعْجِيزٍ أَيْ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَقَعَ مِنْكُمْ دُعَاءٌ لِأَصْنَامِكُمْ وَلَا كَيْدٌ لِي وَكَانُوا قَدْ خَوَّفُوهُ آلِهَتَهُمْ، وَمَعْنَى ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ اسْتَعِينُوا بِهِمْ عَلَى إِيصَالِ الضَّرِّ إِلَيَّ ثُمَّ كِيدُونِ أَيِ امْكُرُوا بِي وَلَا تُؤَخِّرُونَ عَمَّا تُرِيدُونَ بِي مِنَ الضُّرِّ وَهَذَا كَمَا قَالَ قَوْمِ هُودٍ إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ قالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ «١» وَسَمَّى الْأَصْنَامَ شُرَكَاءَهُمْ مِنْ حَيْثُ أَنَّ لَهُمْ نِسْبَةً إِلَيْهِمْ بِتَسْمِيَتِهِمْ إِيَّاهُمْ آلِهَةً وَشُرَكَاءَ اللَّهِ تَعَالَى، وَقَرَأَ أَبُو عَمْرٍو وَهِشَامٌ بِخِلَافٍ عنه فَكِيدُونِي بِإِثْبَاتِ الْيَاءِ وَصْلًا وَوَقْفًا وَقَرَأَ بَاقِي السَّبْعَةِ بِحَذْفِ الْيَاءِ اجْتِزَاءً بِالْكَسْرَةِ عَنْهَا.


(١) سورة هود: ١١/ ٥٤، ٥٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>