للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَانُوا يَطْلُبُونَ آيَاتٍ مُعَيَّنَةً عَلَى سَبِيلِ التَّعَنُّتِ كَقَلْبِ الصَّفَا ذَهَبًا وَإِحْيَاءِ الْمَوْتَى وَتَفْجِيرِ الْأَنْهَارِ وَكَمْ جَاءَتْهُمْ مِنْ آيَةٍ فَكَذَّبُوا بِهَا وَاقْتَرَحُوا غَيْرَهَا.

قُلْ إِنَّما أَتَّبِعُ مَا يُوحى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي بَيَّنَ أَنَّهُ لَيْسَ مَجِيءُ الْآيَاتِ إِلَيْهِ إِنَّمَا هُوَ مُتَّبِعٌ مَا أَوْحَاهُ اللَّهُ تَعَالَى إِلَيْهِ وَلَسْتُ بِمُفْتَعِلِهَا وَلَا مُقْتَرِحِهَا.

هَذَا بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ أَيْ هَذَا الْمُوحَى إِلَيَّ الَّذِي أَنَا أَتَّبِعُهُ لَا أَبْتَدِعُهُ وَهُوَ الْقُرْآنُ بَصائِرُ أَيْ حُجَجٌ وَبَيِّنَاتٌ يُبْصَرُ بِهَا وَتَتَّضِحُ الْأَشْيَاءُ الْخَفِيَّاتُ وَهِيَ جَمْعُ بَصِيرَةٍ كَقَوْلِهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي «١» أَيْ عَلَى أَمْرٍ جَلِيٍّ مُنْكَشِفٍ وَأَخْبَرَ عَنِ الْمُفْرَدِ بِالْجَمْعِ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى سُوَرٍ وَآيَاتٍ، وَقِيلَ: هُوَ عَلَى حَذْفِ مضاف أي ذُو بَصَائِرَ.

وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ أَيْ دَلَالَةٌ إِلَى الرُّشْدِ وَرَحْمَةٌ فِي الدَّارَيْنِ وَفِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا وَخَصَّ الْمُؤْمِنِينَ لِأَنَّهُمُ الَّذِينَ يَسْتَبْصِرُونَ وَهُمُ الَّذِينَ يَنْتَفِعُونَ بِالْوَحْيِ يَتَّبِعُونَ مَا أَمَرَ بِهِ فِيهِ وَيَجْتَنِبُونَ مَا يُنْهَوْنَ عَنْهُ فِيهِ وَيُؤْمِنُونَ بِمَا تَضَمَّنَهُ، وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الرَّازِيُّ: أَصْلُ الْبَصِيرَةِ الْإِبْصَارُ لَمَّا كَانَ الْقُرْآنُ سَبَبًا لِبَصَائِرِ الْعُقُولِ فِي دَلَالَةِ التَّوْحِيدِ وَالنُّبُوَّةِ وَالْمَعَادِ أُطْلِقَ عَلَيْهِ اسْمُ الْبَصِيرَةِ تَسْمِيَةً لِلسَّبَبِ بِاسْمِ الْمُسَبَّبِ وَالنَّاسُ فِي مَعَارِفِ التَّوْحِيدِ وَالنُّبُوَّةِ وَالْمَعَادِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ، أَحَدُهَا:

الَّذِينَ بَالَغُوا فِي هَذِهِ الْمَعَارِفِ إِلَى حَيْثُ صَارُوا كَالْمُشَاهِدِينَ لَهَا وَهُمْ أَصْحَابُ عَيْنِ الْيَقِينِ فَالْقُرْآنُ فِي حَقِّهِمْ بَصَائِرُ، وَالثَّانِي: الَّذِينَ وَصَلُوا إِلَى دَرَجَاتِ الْمُسْتَدِلِّينَ وَهُمْ أَصْحَابُ عِلْمِ الْيَقِينِ فَهُوَ فِي حَقِّهِمْ هُدًى، وَالثَّالِثُ: مَنِ اعْتَقَدَ ذَلِكَ الِاعْتِقَادَ الْجَزْمَ وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ مَرْتَبَةَ الْمُسْتَدِلِّينَ وَهُمْ عَامَّةُ الْمُؤْمِنِينَ فَهُوَ فِي حَقِّهِمْ رَحْمَةٌ، وَلَمَّا كَانَتْ هَذِهِ الْفِرَقُ الثَّلَاثُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ انْتَهَى، وَفِيهِ تَكْمِيلٌ وَبَعْضُ تَلْخِيصٍ.

وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ لَمَّا ذَكَرَ أَنَّ الْقُرْآنَ بَصَائِرُ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ أَمَرَ بِاسْتِمَاعِهِ إِذَا شُرِعَ فِي قِرَاءَتِهِ وَبِالْإِنْصَاتِ وَهُوَ السُّكُوتُ مَعَ الْإِصْغَاءِ إِلَيْهِ لِأَنَّ مَا اشْتَمَلَ عَلَى هَذِهِ الْأَوْصَافِ مِنَ الْبَصَائِرِ وَالْهُدَى وَالرَّحْمَةِ حَرِيٌّ بِأَنْ يُصْغَى إِلَيْهِ حَتَّى يَحْصُلَ مِنْهُ لِلْمُنْصِتِ هَذِهِ النَّتَائِجُ الْعَظِيمَةُ وَيَنْتَفِعَ بِهَا فَيَسْتَبْصِرَ مِنَ الْعَمَى وَيَهْتَدِي مِنَ الضَّلَالِ وَيُرْحَمُ بِهَا وَالظَّاهِرُ اسْتِدْعَاءُ الِاسْتِمَاعِ وَالْإِنْصَاتِ إِذَا أَخَذَ فِي قراءة القرآن ومتى قرىء،

وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَجَابِرٌ وَعَطَاءٌ وَابْنُ الْمُسَيَّبِ وَالزُّهْرِيُّ وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: إِنَّهَا فِي الْمُشْرِكِينَ كَانُوا إِذَا صَلَّى الرسول صلى الله عليه وَسَلَّمَ يَقُولُونَ: لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ


(١) سورة يوسف: ١٢/ ١٠٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>