كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ فِي الدُّعَاءِ إِلَى الْإِيمَانِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْتُ مِنْ أَنَّ يُجَادِلُونَكَ فِي الْكُفَّارِ مَنْصُوصٌ، قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: فَهَذَانَ قَوْلَانِ مُطَّرِدَانِ يَتِمُّ بِهِمَا الْمَعْنَى وَيَحْسُنُ وَصْفُ اللَّفْظِ انْتَهَى. وَنَعْنِي بِالْقَوْلَيْنِ قَوْلَ الْفَرَّاءِ وَقَوْلَ الْكِسَائِيِّ وَقَدْ كَثُرَ الْكَلَامُ فِي هَاتَيْنِ الْمَقَالَتَيْنِ وَلَا يَظْهَرَانِ وَلَا يَلْتَئِمَانِ مِنْ حَيْثُ دَلَالَةِ الْعَاطِفِ.
الْقَوْلُ السَّابِعُ قَالَ الْأَخْفَشُ: الْكَافُ نَعْتٌ لِحَقًّا وَالتَّقْدِيرُ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا كَمَا أَخْرَجَكَ، قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ وَالْمَعْنَى عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ كَمَا زَادَ لَا يَتَنَاسَقُ.
الْقَوْلُ الثَّامِنُ أَنَّ الْكَافُ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ وَالتَّقْدِيرُ كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ فَاتَّقُوا اللَّهَ كَأَنَّهُ ابْتِدَاءٌ وَخَبَرٌ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَهَذَا الْمَعْنَى وَضَعَهُ هَذَا الْمُفَسِّرُ وَلَيْسَ مِنْ أَلْفَاظِ الْآيَةِ فِي وِرْدٍ وَلَا صَدْرٍ.
الْقَوْلُ التَّاسِعُ قَالَ الزَّجَّاجُ الْكَافُ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ وَالتَّقْدِيرُ الْأَنْفَالُ ثَابِتَةٌ لِلَّهِ ثَبَاتًا كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ وَهَذَا الْفِعْلُ أَخَذَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ وَحَسَّنَهُ. فَقَالَ يَنْتَصِبُ عَلَى أَنَّهُ صِفَةُ مَصْدَرٍ لِلْفِعْلِ الْمُقَدَّرِ فِي قَوْلِهِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ أَيِ الْأَنْفَالُ اسْتَقَرَّتْ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ وَثَبَتَتْ مَعَ كَرَاهَتِهِمْ ثَبَاتًا مِثْلَ ثَبَاتِ إِخْرَاجِ ربك إياك من بيتك وَهُمْ كَارِهُونَ انْتَهَى، وَهَذَا فِيهِ بُعْدٌ لِكَثْرَةِ الْفَصْلِ بَيْنَ الْمُشَبَّهِ وَالْمُشَبَّهِ بِهِ وَلَا يَظْهَرُ كَبِيرُ مَعْنًى لِتَشْبِيهِ هَذَا بِهَذَا بَلْ لَوْ كَانَا مُتَقَارِبَيْنِ لَمْ يَظْهَرْ لِلتَّشْبِيهِ كَبِيرُ فَائِدَةٍ.
الْقَوْلُ الْعَاشِرُ أَنَّ الْكَافُ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ وَالتَّقْدِيرُ لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ هَذَا وَعْدُ حَقٍّ كَما أَخْرَجَكَ وَهَذَا فِي حَذْفِ مُبْتَدَأٍ وَخَبَرٍ وَلَوْ صَرَّحَ بِذَلِكَ لَمْ يَلْتَئِمِ التَّشْبِيهُ وَلَمْ يَحْسُنِ.
الْقَوْلُ الْحَادِيَ عَشَرَ أَنَّ الْكَافُ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ أَيْضًا وَالْمَعْنَى وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ كَما أَخْرَجَكَ فَالْكَافُ نَعْتٌ لِخَبَرِ ابْتِدَاءٍ مَحْذُوفٍ وَهَذَا أَيْضًا فِيهِ حَذْفٌ وَطُولٌ فَصَلَ بَيْنَ قَوْلِهِ وَأَصْلِحُوا وَبَيْنَ كَما أَخْرَجَكَ.
الْقَوْلُ الثَّانِي عَشَرَ أَنَّهُ شَبَّهَ كَرَاهِيَةَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخُرُوجِهِ مِنَ الْمَدِينَةِ حِينَ تَحَقَّقُوا خُرُوجَ قُرَيْشٍ لِلدَّفْعِ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ وَحِفْظِ غَيْرِهِ بِكَرَاهِيَتِهِمْ نَزْعَ الْغَنَائِمِ مِنْ أَيْدِيهِمْ وَجَعْلَهَا لِلرَّسُولِ أَوِ التَّنْفِيلَ مِنْهَا وَهَذَا الْقَوْلُ أَخَذَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ وَحَسَّنَهُ فَقَالَ: يَرْتَفِعُ مَحَلُّ الْكَافِ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ هَذَا الْحَالُ كَحَالِ إِخْرَاجِكَ يَعْنِي أَنَّ حَالَهُمْ فِي كَرَاهَةِ مَا رَأَيْتَ مِنْ تَنْفِيلِ الْقِرَاءَةِ مِثْلَ حَالِهِمْ فِي كَرَاهَةِ خُرُوجِهِمْ لِلْحَرْبِ وَهَذَا النَّهْيُ قَالَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute