للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِمَعْنَى مُتْبِعِينَ أَنْفُسَهُمْ مَلَائِكَةً آخَرِينَ أَوْ مُتْبِعِينَ غَيْرَهُمْ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَيُعَضِّدُ هَذَا الْوَجْهَ قَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ «١» بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ «٢» انْتَهَى. وَهَذَا تَكْثِيرٌ فِي الْكَلَامِ وَمُلَخَّصُهُ أَنَّ اتَّبَعَ مُشَدَّدًا يَتَعَدَّى إِلَى وَاحِدٍ وَأَتْبَعَ مُخَفَّفًا يَتَعَدَّى إِلَى اثْنَيْنِ وَأَرْدَفَ أَتَى بمعناهما والمفعول لا تبع محذوف والمفعولان لا تَبِعَ مَحْذُوفَانِ فَيُقَدَّرُ مَا يَصِحُّ بِهِ الْمَعْنَى وَقَوْلُهُ أَوْ مُتْبِعِينَ إِيَّاهُمُ الْمُؤْمِنِينَ هَذَا لَيْسَ مِنْ مَوَاضِعِ فَصْلِ الضَّمِيرِ بَلْ مِمَّا يُتَّصَلُ وَتُحْذَفُ لَهُ النُّونُ لَا يُقَالُ هَؤُلَاءِ كَاسُّونَ إِيَّاكَ ثَوْبًا بَلْ يُقَالُ كَاسُوكَ فَتَصْحِيحُهُ أَنْ يَقُولَ أَوْ بِمَعْنَى مُتْبِعِيهِمُ الْمُؤْمِنِينَ أَوْ يَقُولَ أَوْ بِمَعْنَى مُتْبِعِينَ أَنْفُسَهُمُ الْمُؤْمِنِينَ.

وَما جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ نَظِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ وَالْمَعْنَى إِلَّا بُشْرى لَكُمْ وَأُثْبِتَ فِي آلِ عِمْرَانَ لِأَنَّ الْقِصَّةَ فِيهَا مُسْهِبَةٌ وَهُنَا مُوجَزَةٌ فَنَاسَبَ هُنَا الْحَذْفُ وَهُنَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ هُنَاكَ عَلَى سَبِيلِ التَّفَنُّنِ وَالِاتِّسَاعِ فِي الْكَلَامِ وَهُنَا جَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ مُرَاعَاةً لِأَوَاخِرِ الْآيِ وَهُنَاكَ لَيْسَتْ آخِرَ آيَةٍ لِتَعَلُّقِ يَقْطَعَ بِمَا قَبْلَهُ فَنَاسَبَ أَنْ يَأْتِيَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ «٣» عَلَى سَبِيلِ الصِّفَةِ وَكِلَاهُمَا مُشْعِرٌ بِالْعَلِيَّةِ كَمَا تَقُولُ أَكْرِمْ زَيْدًا الْعَالِمَ وَأَكْرِمْ زَيْدًا إِنَّهُ عَالِمٌ وَالضَّمِيرُ فِي وَما جَعَلَهُ عَائِدٌ عَلَى الْإِمْدَادِ الْمُنْسَبِكِ مِنْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ أَوْ عَلَى الْمَدَدِ أَوْ عَلَى الْوَعْدِ الدَّالِّ عَلَيْهِ يَعِدُكُمْ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَوْ عَلَى الْأَلْفِ أَوْ عَلَى الِاسْتِجَابَةِ أَوْ عَلَى الْإِرْدَافِ أَوْ عَلَى الْخَبَرِ بِالْإِمْدَادِ أَوْ عَلَى جِبْرِيلَ أَقْوَالٌ مُحْتَمَلَةٌ مَقُولَةٌ أَظْهَرُهَا الْأَوَّلُ وَلَمْ يَذْكُرِ الزَّمَخْشَرِيُّ غَيْرَهُ.

إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ بَدَلٌ ثَانٍ مِنْ إِذْ يَعِدُكُمُ أَوْ مَنْصُوبٌ بِالنَّصْرِ أَوْ بِمَا فِي عِنْدِ اللَّهِ مِنْ مَعْنَى الْفِعْلِ أَوْ بِمَا جَعَلَهُ اللَّهُ أَوْ بِإِضْمَارِ اذْكُرِ انْتَهَى. أَمَّا كَوْنُهُ بَدَلًا ثَانِيًا مِنْ إِذْ يَعِدُكُمُ فَوَافَقَهُ عَلَيْهِ ابْنُ عَطِيَّةَ فَإِنَّ الْعَامِلَ فِي إِذْ هُوَ الْعَامِلُ فِي قَوْلِهِ وَإِذْ يَعِدُكُمُ بِتَقْدِيرِ تَكْرَارِهِ لِأَنَّ الِاشْتِرَاكَ فِي الْعَامِلِ الْأَوَّلِ نَفْسِهِ لَا يَكُونُ إِلَّا بِحَرْفِ عَطْفٍ وَإِنَّمَا الْقَصْدُ أَنْ يُعَدِّدَ نِعَمَهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ فِي يَوْمِ بَدْرٍ فَقَالَ وَاذْكُرُوا إِذْ فَعَلْنَا بِكُمْ كَذَا اذْكُرُوا إِذْ فَعَلْنَا كَذَا وَأَمَّا كَوْنُهُ مَنْصُوبًا بِالنَّصْرِ فَفِيهِ ضَعْفٌ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا أَنَّهُ مَصْدَرٌ فِيهِ أَلْ وَفِي إِعْمَالِهِ خِلَافٌ ذَهَبَ الْكُوفِيُّونَ إِلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إعماله،


(١) سورة آل عمران: ٣/ ١٢٤.
(٢) سورة آل عمران: ٣/ ١٢٥.
(٣) سورة آل عمران: ٣/ ١٢٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>