وَجْهٍ آخَرَ وَهُوَ أَنْ مَا لَيْسَ مَوْصُولًا بِمَعْنَى الَّذِي وَأَنَّهُ بِمَعْنَى مَاءً الْمَحْدُودِ وَذَلِكَ أَنَّهُمْ حَكَوْا أَنَّ الْعَرَبَ حَذَفَتْ هَذِهِ الْهَمْزَةَ فَقَالُوا مًا يَا هَذَا بِحَذْفِ الْهَمْزَةِ وَتَنْوِينِ الْمِيمِ فَيُمْكِنُ أَنْ تُخَرَّجَ عَلَى هَذَا إِلَّا أَنَّهُمْ أَجْرَوُا الْوَصْلَ مَجْرَى الْوَقْفِ فَحَذَفُوا التَّنْوِينَ لِأَنَّكَ إِذَا وَقَفْتَ عَلَى شَرِبْتُ مًا قُلْتَ شَرِبْتُ مَا بِحَذْفِ التَّنْوِينِ وَإِبْقَاءِ الْأَلِفِ إِمَّا أَلِفُ الْوَصْلِ الَّذِي هِيَ بَدَلٌ مِنَ الْوَاوِ وَهِيَ عَيْنُ الْكَلِمَةِ وَإِمَّا الْأَلِفُ الَّتِي هِيَ بَدَلٌ من التَّنْوِينِ حَالَةَ النَّصْبِ.
وَقَرَأَ ابْنُ الْمُسَيَّبِ لِيُطَهِّرَكُمْ بِسُكُونِ الطَّاءِ وَمَعْنَى لِيُطْهِرَكُمْ مِنَ الْجَنَابَاتِ وَكَانَ الْمُؤْمِنُونَ لَحِقَ أَكْثَرَهُمْ فِي سَفَرِهِمُ الْجَنَابَاتُ وَعَدِمُوا الْمَاءَ وَكَانَتْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَاءِ بَدْرٍ مَسَافَةٌ طَوِيلَةٌ مِنْ رَمْلٍ دَهْسٍ لَيِّنٍ تَسُوخُ فِيهِ الْأَرْجُلُ وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ قَدْ سَبَقُوهُمْ إِلَى مَاءِ بَدْرٍ، وَقِيلَ بَلِ الْمُؤْمِنُونَ سَبَقُوا إِلَى الْمَاءِ بِبَدْرٍ وَكَانَ نُزُولُ الْمَطَرِ قَبْلَ ذَلِكَ، وَالْمَرْوِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ أَنَّ الْكُفَّارَ يَوْمَ بَدْرٍ سَبَقُوا الْمُؤْمِنِينَ إِلَى مَاءِ بَدْرٍ فَنَزَلُوا عَلَيْهِ وَبَقِيَ الْمُؤْمِنُونَ لَا مَاءَ لَهُمْ فَوَجَسَتْ نُفُوسُهُمْ وَعَطِشُوا وَأَجْنَبُوا وَصَلَّوْا كَذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ فِي نُفُوسِهِمْ بِإِلْقَاءِ الشَّيْطَانِ إِلَيْهِمْ نَزْعُمُ أَنَّا أَوْلِيَاءُ اللَّهِ وَفِينَا رَسُولُ اللَّهِ، وَحَالُنَا هَذِهِ، وَالْمُشْرِكُونَ عَلَى الْمَاءِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ الْمَطَرَ لَيْلَةَ بَدْرٍ السَّابِعَةَ عَشَرَ مِنْ رَمَضَانَ حَتَّى سَالَتِ الْأَوْدِيَةُ فَشَرِبَ النَّاسُ وَتَطَهَّرُوا وَسَقَوُا الظَّهْرَ وَتَلَبَّدَتِ السَّبْخَةُ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُشْرِكِينَ حَتَّى ثَبَتَتْ فِيهَا أَقْدَامُ الْمُسْلِمِينَ وَقْتَ الْقِتَالِ وَكَانَتْ قَبْلَ الْمَطَرِ تَسُوخُ فِيهَا الْأَرْجُلُ فَلَمَّا نَزَلَ تَلَبَّدَتْ قَالُوا فَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ أَيْ مِنَ الْجَنَابَاتِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ أَيْ عَذَابَهُ لَكُمْ بِوَسْوَاسِهِ وَالرِّجْزُ الْعَذَابُ، وَقِيلَ رِجْزُهُ كَيْدُهُ وَوَسْوَسَتُهُ، وَقِيلَ الْجَنَابَةُ مِنَ الِاحْتِلَامِ فَإِنَّهَا مِنَ الشَّيْطَانِ، وَوَرَدَ مَا احْتَلَمَ نَبِيٌّ قَطُّ إِنَّمَا الِاحْتِلَامُ يَكُونُ مِنَ الشَّيْطَانِ.
وَقَرَأَ عِيسَى بْنُ عَمْرٍو يُذْهِبَ بِجَزْمِ الْبَاءِ، وَقَرَأَ ابْنُ مُحَيْصِنٍ رِجْزَ بِضَمِّ الرَّاءِ وَأَبُو الْعَالِيَةِ رِجْسَ بِالسِّينِ وَمَعْنَى الرَّبْطِ عَلَى الْقَلْبِ هُوَ اجْتِمَاعُ الرَّأْيِ وَالتَّشْجِيعُ عَلَى لِقَاءِ الْعَدُوِّ وَالصَّبْرُ عَلَى مُكَافَحَةِ العدو والربط الشد وَهُوَ حَقِيقَةٌ فِي الْأَجْسَامِ فَاسْتُعِيرَ مِنْهَا لِمَا حَصَلَ فِي الْقَلْبِ مِنَ الشِّدَّةِ وَالطُّمَأْنِينَةِ بَعْدَ التَّزَلْزُلِ، وَمُقْتَضَى ذَلِكَ الرَّبْطِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ الصَّبْرُ، وَقَالَ مُقَاتِلٌ الْإِيمَانُ، وَقِيلَ نُزُولُ الْمَطَرِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ، لِأَنَّ قَوْلَهُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَمَا بَعْدَهُ تَعْلِيلٌ لِإِنْزَالِ الْمَطَرِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ تَثْبِيتَ الْأَقْدَامِ هُوَ حَقِيقَةٌ لِأَنَّ الْمَكَانَ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ اللِّقَاءُ كَانَ رَمْلًا تَغُوصُ فِيهِ الْأَرْجُلُ فَلَبَّدَهُ الْمَطَرُ حَتَّى ثَبَتَتْ عَلَيْهِ الْأَقْدَامُ وَالضَّمِيرُ فِي بِهِ عَائِدٌ عَلَى الْمَطَرِ، وَقِيلَ التَّثْبِيتُ لِلْأَقْدَامِ مَعْنَوِيٌّ وَالْمُرَادُ بِهِ كَوْنُهُ لَا يَفِرُّ وَقْتَ الْقِتَالِ وَالضَّمِيرُ فِي بِهِ عَائِدٌ عَلَى الْمَصْدَرِ الدَّالِّ عَلَيْهِ وَلِيَرْبِطَ وَانْظُرْ إِلَى فَصَاحَةِ مَجِيءِ هَذِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute