أَنَّهُمْ يُثَبِّتُونَهُمْ بِأَشْيَاءَ يُلْقُونَهَا فِي قُلُوبِهِمْ تَقْوَى بِهَا، وَذَكَرَ الثَّعْلَبِيُّ وَنَحْوُهُ قَالَ: صَحِّحُوا عَزَائِمَهُمْ وَنِيَّاتِهِمْ عَلَى الْجِهَادِ، وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ نَحْوَهُ قَالَ: وَيُحْتَمَلُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ التَّثْبِيتُ الَّذِي أَمَرَ بِهِ مَا يُلْقِيهِ الْمَلَكُ فِي قَلْبِ الْإِنْسَانِ مِنْ تَوَهُّمِ الظَّفَرِ وَاحْتِقَارِ الْكُفَّارِ وَيَجْرِي عَلَيْهِ مِنْ خَوَاطِرِ تَشْجِيعِهِ وَيُقَوِّي هَذَا التَّأْوِيلَ مُطَابَقَةُ قَوْلِهِ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ وَإِنْ كَانَ إِلْقَاءُ الرُّعْبِ يُطَابِقُ التَّثْبِيتَ عَلَى أَيِّ صُورَةٍ كَانَ التَّثْبِيتُ وَلَكِنَّهُ أَشْبَهُ بِهَذَا إِذْ هِيَ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ وَعَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ يَجِيءُ قوله سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ مُخَاطَبَةً لِلْمَلَائِكَةِ ثُمَّ يَجِيءُ قَوْلِهِ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ لَفْظُهُ لَفْظُ الْأَمْرِ وَمَعْنَاهُ الْخَبَرُ عَنْ صُورَةِ الْحَالِ كَمَا تَقُولُ إِذَا وَصَفْتَ لِمَنْ تُخَاطِبُهُ لَقِينَا الْقَوْمَ وَهَزَمْنَاهُمْ فَاضْرِبْ بِسَيْفِكَ حَيْثُ شِئْتَ وَاقْتُلْ وَخُذْ أَسِيرَكَ، أَيْ هَذِهِ كَانَتْ صِفَةَ الْحَالِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ سَأُلْقِي إِلَى آخِرِ الْآيَةِ خَبَرًا يُخَاطِبُ بِهِ الْمُؤْمِنِينَ عَمَّا يَفْعَلُهُ بِالْكَفَّارِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ كَمَا فَعَلَهُ فِي الْمَاضِي ثُمَّ أَمَرَهُمْ بِضَرْبِ الرِّقَابِ وَالْبَنَانِ تَشْجِيعًا لَهُمْ وَحَضًّا عَلَى نُصْرَةِ الدِّينِ.
وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ وَالْمَعْنَى أَنِّي مُعِينُكُمْ عَلَى التَّثَبُّتِ فَثَبِّتُوهُمْ فَقَوْلُهُ سَأُلْقِي فَاضْرِبُوا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَفْسِيرًا لِقَوْلِهِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا وَلَا مَعُونَةَ أَعْظَمُ مِنْ إِلْقَاءِ الرُّعْبِ فِي قُلُوبِ الْكَفَرَةِ وَلَا تَثْبِيتَ أَبْلَغُ مِنْ ضَرْبِ أَعْنَاقِهِمْ وَاجْتِمَاعُهُمَا غَايَةُ النُّصْرَةِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ تَفْسِيرٍ وَأَنْ يُرَادَ بِالتَّثْبِيتِ أَنْ يُخْطِرُوا بِبَالِهِمْ مَا تَقْوَى بِهِ قُلُوبُهُمْ وَتَصِحُّ عَزَائِمُهُمْ وَنِيَّاتُهُمْ وَأَنْ يُظْهِرُوا مَا يَتَيَقَّنُونَ بِهِ أَنَّهُمْ مُمَدُّونَ بِالْمَلَائِكَةِ، وَقِيلَ كَانَ الْمَلَكُ يَتَشَبَّهُ بِالرَّجُلِ الَّذِي يَعْرِفُونَ وَجْهَهُ فَيَأْتِي فَيَقُولُ إِنِّي سَمِعْتُ الْمُشْرِكِينَ يَقُولُونَ وَاللَّهِ لَئِنْ حَمَلُوا عَلَيْنَا لَنَنْكَشِفَنَّ وَيَمْشِي بَيْنَ الصَّفَّيْنِ فَيَقُولُ أَبْشِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ نَاصِرُكُمْ لِأَنَّكُمْ تَعْبُدُونَهُ وَهَؤُلَاءِ لَا يَعْبُدُونَهُ انْتَهَى، ثُمَّ قَالَ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ سَأُلْقِي- إِلَى قَوْلِهِ- كُلَّ بَنانٍ عَقِيبَ قَوْلِهِ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا تَلْقِينًا لِلْمَلَائِكَةِ وَمَا يُثَبِّتُونَهُمْ بِهِ كَأَنَّهُ قَالَ قُولُوا لَهُمْ سَأُلْقِي وَالضَّارِبُونَ عَلَى هَذَا هُمُ الْمُؤْمِنُونَ انْتَهَى.
وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ مَا بَعْدَ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ هُوَ مِنْ جُمْلَةِ الْمُوحَى بِهِ وَأَنَّ الْمَلَائِكَةَ هُمُ الْمُخَاطَبُونَ بِتَثْبِيتِ الْمُؤْمِنِينَ وَبِضَرْبٍ فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَكُلَّ بَنَانٍ، وَقَالَ السَّائِبُ بْنُ يَسَارٍ: كُنَّا إِذَا سَأَلْنَا يَزِيدَ بن عامر السّواي عَنِ الرُّعْبِ الَّذِي أَلْقَاهُ اللَّهُ فِي قُلُوبِ الْمُشْرِكِينَ كَيْفَ كَانَ يَأْخُذُ الْحَصَا ويرمي به الطست فيظن فَيَقُولُ: كُنَّا نَجِدُ فِي أَجْوَافِنَا مِثْلَ هَذَا، وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَالْكِسَائِيُّ وَالْأَعْرَجُ الرُّعْبَ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَفَوْقَ قَالَ الْأَخْفَشُ: زَائِدَةٌ أَيْ فَاضْرِبُوا الْأَعْنَاقَ وَهُوَ قَوْلُ عَطِيَّةَ وَالضَّحَّاكِ فَيَكُونُ الْأَعْنَاقُ هِيَ الْمَفْعُولُ بِاضْرِبُوا هَذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute